المؤلفين في مؤلفاتهم المتعددة التدرج والتنويع فيها لاختلاف قدر الطالبين من مبتدئ وشاد ومنته، فجمعوا فيها بين وجيز ووسيط وبسيط حبا في تعميم النفع كما صنع ابن مالك وابن هشام والسيوطي، نعم إن التأليف على عمومه في خلال هذا العهد قد طرأ عليه اتجاه جديد، وذلك أن معظم المؤلفات السابقة كانت زعيمة بالإبانة عن نفسها بنفسها لا ترتقب تفسيرا ولا توضيحا مع النزوع إلى الوجهة النحوية، يستوي في هذا مطولها ومختصرها، إذ لم يقصد واضعو المختصرات سابقا إلا مجرد التسهيل على المبتدئ بذكر جزئيات من مسائل العلم تؤنسه إذ وجه فيه، فساوت عبارتها في التأدية ما فيها من المعاني، وممن ألف مختصرا على هذا النهج قديما الزجاجي في الجمل "الجمل الكبيرة" وعبد القاهر الجرجاني في "جمله" أيضا.
أما في هذا العهد فقد طفق المؤلفون ينشئون المتون مع استيعابها لما في المطولات ويفتنون في سبيل إيجازها ما وسعته قدرتهم، ومن هنا مست الحاجة إلى الشروح وربما جللت بالحواشي، وأقرب الأمثلة لهذا شروح كافية ابن الحاجب وألفية ابن مالك وكافيته ومغني ابن هشام وتوضيحه وبعض حواشيها، وهذه المؤلفات التي كانت غزيرة المادة العلمية من الجهة النحوية لم يعبها إلا ما شابها في الشروح والحواشي من: " كثرة بيان اللهجات العربية لكثير من الكلمات مما يمت إلى فقه اللغة بسبب وثيق، ومن التعليل والتوجيه لمتضارب الآراء النحوية مما لا يعود بطائل على النحو، ومن محاولة أخذ القاعدة النحوية من مادة الكتاب المعلق عليه وكثيرا ما يكون في العبارة قصور في الدلالة، لكن هذه الهنات لم تذهب بمحاسن هذه المصنفات، وجلها ما يزال إلى يومنا عتاد طلاب النحو ومطمح أنظارهم، ويظهر أن الحامل لهم على الإكثار من المتون حبهم في سرعة تلافي ما ضاع من كتب النحو، والمتون كفيلة بجمع ما كثر من القواعد في موجز الكلام، فلكي يسهلوا على الراغبين جمع شتات هذا الفن في قبضة اليد صنفوها كعلاج بدا لهم، فلم يكن بعد هذا بد من شروح تكشف قناع هذه المخدرات المكنونة،