للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يساوي شيئا"١.

وفي الحق أن العراق وبه "البصرة والكوفة" يجب أن يتقدم البلاد الإسلامية في هذا العلم، إذ كان قبل الفتح الإسلامي موطن العجم، وبعده قد انثال عليه المسلمون من كل صوب، لأنه أخصب البلاد الإسلامية وأنضرها في الصدر الأول، تضامت فيه أسباب رفاهية الحياة ورغد العيش، فاستوطنه العرب والعجم، ونعموا جميعا بخيراته الوفيرة، فظهرت أرزاء اللحن فاشيه فيه، ظهورا لا مثيل له في سائر البلاد، مما تقاضى أهل العلم والمعرفة أن يتلافوا الأمر قبل تفاقمه.

يضم إلى هذا أن العراقيين ذوو عهد قديم بالعلوم والتأليف، ولهم خبرة فيهما متوارثة تليدة، وفيهم شغف وميل إلى تعرف الوسائل التي تقوم أود٢ لسانهم وتنقلهم إلى مصاف٣ إخوانهم العرب، فمن هذا وذاك نبتت نابتة هذا الفن في العراق وترعرعت فيه، إذ ما كان على أهله بعد هذا الاقتضاء إلا أن يطبقوا قواعد هذا الفن الحديثة على منوال ما نسجوا عليه قديما في تعاليمهم، وينهجوا فيها على غرار ما ألفوه في نظمهم، وتلك خطة مستطاعة.

وإننا حين نريد الحديث عن رجال هذا العلم في العراق فإنما نريد بالعراق: البصرة والكوفة لا بغداد، لأنهما قد تأسستا في فجر الإسلام فكان بهما مولد النحو ومهده ومدرجه، أما بغداد فإن تخطيطها في صدر الدولة العباسية التي اتخذتها مقر خلافتها كما اتخذت الدولة الأموية دمشق مقر خلافتها، فتبوأت بغداد مكانة دمشق، وصارت مدينة الخلافة والملك، كما كانت سالفتها دمشق فلم يتقدم ببغداد الزمن حتى تشاطر أختيها -البصرة والكوفة- مزاولة هذا العلم.


١ مراتب النحويين، ونقل في المزهر، وترجمه ابن دأب في معجم الأنباء.
٢ اعوجاج، والفعل: أود يأود كفرح يفرح.
٣ جمع مصف وهو موضع الصف.

<<  <   >  >>