للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: «لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفًا واحدًا ما أحاطوا بالله أبدا» .

ومن صفاته العظيمة: «غناه التام» فإنه {يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعَام: ١٤] ، وفي قراءة ولا يَطْعَمُ بفتح الطاء فهو الغني بذاته عن كل ما سواه. ومن مخلوقاته الملائكة وهم صمد لا يأكلون ولا يشربون كما ذكر الله ذلك عنهم في قصة ضيف إبراهيم {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} [هُود: ٧٠] .

عباد الله هذه الآيات والأحاديث وما في معناها تدل بداهة على وجود الله تبارك وتعالى وعظمته، وأنه محسوس لبعض الخلق ببعض الحواس الخمس؛ فقد أدرك موسى كلامه بحاسة سمعه {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّساء: ١٦٤] وآدم {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البَقَرَة: ٣٣] وتسمع كلامه الملائكة {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سَبأ: ٢٣] ، وأنه يمكن الإحساس به فيرى يوم القيامة، ويسمع كلامه. والإنسان يقر بوجود أشياء لا يحس بها هو كوجود بعض الأماكن والأمم وأجداده الذين لم يدركهم؛ بل ومادته التي كُوِّن منها لا يحس بها هو ولا ينكرها عاقل (١) ، لكنه يمكن أن يحس بها غيره.


(١) قلت: وهذه الشبهة- أن ما لا يحس بالحواس الخمس أو بأحدها لا يؤمن به- قديمه حديثة: قد شبه بها الدهريون على الجهم بن صفوان فتحير، قالوا له: هل رأيت إلهك هل سمعت كلامه؟ إلخ. فقال: لا. ولم يوفق لأن يذكر سماع موسى وآدم، وتدكدك الجبل، وأن الناس يرون ربهم يوم القيامة إلخ.
وقال: أحد الأساتذة الملحدين لتلاميذه: هل رأيتم الله؟ قالوا: لا. قال: إذًا ما هو موجود. فرفع أحد التلاميذ أصبعه وقال: ألك عقل يا أستاذ؟ قال: نعم. قال: هل رأيت عقلك؟ قال: لا. قال: إذًا ليس لك عقل. فخجل لما خصم «قصة سمعتها من بعض أساتذة هناك» .

<<  <   >  >>