متعاونين على ما فيه صلاح العالم وقوامه ومنافع أهله (١) .
ثم اقتضت حكمته سبحانه أن جعل للشمس ارتفاعًا وانخفاضًا لإقامة الفصول الأربعة من السنة- ففي زمن «الشتاء» تغور الحرارة في الأجواف وبطون الأرض والجبال والشجر والنبات فيتولد فيها مواد الثمار وغيرها، وتبرد الظواهر، ويغلظ الهواء بسبب البرد فينشأ منه السحاب وينعقد فيحدث المطر والثلج والبَرَد الذي به حياة الأرض ونماء أبدان الحيوان والنبات. فإذا جاء «الربيع» تحركت الطبائع وظهرت المواد الكامنة في الشتاء، فخرج النبات، وأخذت الأرض زخرفها وازينت وأنبتت من كل زوج بهيج، وتحرك الحيوان للتناسل, فإذا جاء «الصيف» سخن الهواء فنضجت الثمار ويبست الحبوب فصلحت للحفظ والخزن، وتحللت فضلات الأبدان. فإذا جاء «الخريف» انكسر ذلك السموم والحر وصفا الهواء واعتدل، وأخذت الأرض والشجر في الراحة والجموم والاستعداد للحمل والنبات مرة ثانية. ولو كان الزمان كلُّه فصلاً واحدًا لفاتت مصالح الفصول الباقية فيه.
وجعل سبحانه «الخريف» برزخًا بين سموم الصيف وبرد الشتاء؛ لئلا ينتقل الحيوان وهلة واحدة من الحر الشديد إلى البرد الشديد فيجد إذاه ويعظم ضره. وكذلك «الربيع» برزخ بين الشتاء والصيف ينتقل فيه الحيوان من برد هذا إلى حر هذا بتدريج وترتيب، حكمة بالغة، وآية قاهرة، فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين.
(١) وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى ونبه عباده عليه بقول: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} [القَصَص: ٧١] الآيات.