للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البَقَرَة: ٣١- ٣٣] عرفوا أن الله فضل عليهم آدم بالعلم.

فلما وقع في الذنب ظنت الملائكة إن ذلك الفضل قد نسخ ولم تطلع على عبودية التوبة الكامنة، فلما تاب إلى ربه وأتى بتلك العبودية علمت الملائكة أن لله في خلقه سرًا لا يعلمه سواه.

وأظهر لهم سبحانه من علمه ما خفي عليهم من شأن من كانوا يعظمونه ويجلُّونه ما لم يكونوا يعلمون؛ فإن الرب تعالى لما أمر الملائكة بالسجود ظهر ما في قلوبهم من الطاعة والمحبة والخشية والانقياد فبادروا إلى الامتثال، وظهر ما في قلب عدوه من الكبر والغش والحسد فأبى واستكبر وكان من الكافرين، و {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعرَاف: ١٢] فاللعين لقصور نظره وضعف بصيرته رأى صورة الطين ترابًا ممزوجًا بماء فاحتقره، ولم يعلم أن الطين مركب من الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي، والتراب الذي هو خزانة المنافع والنعم، ثم لم يتجاوز نظره محل المادة إلى كمال الصورة الإنسانية التامة المحاسن خَلْقًا وخُلُقًا، ثم لم يدر اللعين أن المادة التي خلق منها هو فيها الإحراق والعلو والفساد {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحِجر: ٢٧] (١) .

عباد الله! ولما سبق في حكم الله وحكمته بأن يجعل في


(١) إبليس عارض النص بالقياس وقدمه عليه، وتأول لنفسه أن هذا القياس العقلي مقدم على الأمر بالسجود. فإنه قال: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعرَاف: ١٢] وأن الفاضل لا يخضع للمفضول؛ فكانت النتيجة امتناعه عن السجود. وانظر الوجوه التي فيها الرد عليه في قوله: أنا خير منه في (الصواعق ص١٠٠٢) .

<<  <   >  >>