للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعضهم أنه علله بلعنه زوارات القبور. قال القاضي عياض والأولى أن يقال إنما كرهه مالك لإضافة الزيارة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لو قال زرنا النبي لم يكره لقوله: "اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" فلا تضاف الزيارة إلى القبر للتشبه بأولئك، واتفقوا على أنه إذا دعا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يستقبل القبر وإنما يستقبل القبلة، وتنازعوا في الاستقبال عند السلام عليه فقال مالك وأحمد وغيرهم يستقبل قبره ويسلم عليه، وهو الذي ذكره أصحاب الشافعي، وبعضهم يعزوه إليه. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى بل يستقبل القبلة ويسلم عليه هكذا في كتب أصحابه عنه، وقال مالك فيما ذكر إسماعيل بن اسحق في المبسوط، والقاضي عياض في الشفاء والمشارق وغيرهما من أصحاب مالك، وعنه لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ولكن يسلم ويمضي، وقال أيضاً في المبسوط عن مالك لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه ويدعو له ولأبي بكر، فقيل له ان أناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه إلاَّ وهم يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر يأتون عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا لا من الصحابة ولا غيرهم، ولا يصلح هذه الأمة إلاَّ ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه أمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ويكررون المجيء إلى القبر، بل كانوا يكرهونه إلاَّ لمن جاء من سفر أو أراده، ولا يختلف مذهبه المعروف بنقل الثقات من أصحابه عنه أن المسلم لا يستقل القبر عند الدعاء، وقد نص أنه لا يقف عند الدعاء مطلقاً ذكر طائفة من أصحابه أنه يدنو من القبر ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو مستقبل القبلة ويوالي القبر ظهره وقيل لا يوليه ظهره فاتفقوا في استقبال القبلة وقت الدعاء، وتنازعوا في تولية القبر ظهره وقت دعائه للنبي صلى الله عليه وسلم. وسبب هذا التنازع والله أعلم أن مالكاً رحمه الله سئل عن استقبال القبر عند السلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء له فاختلفت الرواية عنه في ذلك هل هو وفت السلام عليه والدعاء له يستقبل القبر أو يليه ظهره. وإنما اختلفت الرواية عنه لأن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم يسمى دعاء. ولهذا ذهب أبو حنيفة، ومن وافقه من فقهاء العراق إلى أن المسلم يستقبل القبلة. والصحيح المشهور عن مالك استقبال القبر في هذه الحال كما تقدم، وكما قال في رواية ابن وهب عنه إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم

<<  <   >  >>