يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ويدنو ويسلم ويدعو ولا يمس القبر بيده. وما ذكره القاضي عياض عن محمد بن حميد قال ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك لي هذا المسجد فإن الله أدب قوماً فقال {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي} الآية، ومدح قوماً فقال {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} وذم قوماً فقال {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} الآية، وان حرمته ميتاً كحرمته حياً فاستكان لها أبو جعفر وقال مالك يا أبا عبد الله استقبل القبلة وادعوا ثم لم يستقبل رسول الله بعد فقال ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة بل استقبل واستشفع به فيشفعه الله قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ... } الآية. فهذا ضعيف لا يصح عنه فإنه من أشد الناس إنكاراً على من يأتي إلى القبر ليدعو عنده أو يستشفع به، فان ثبت فلا بد أن يحمل على مذهبه وعدم المخالفة له فقد تقدم قوله ان المسلم يدنو من القبر ويصلي ويسلم ويدعو له، ومعلوم أن الصلاة عليه، والدعاء له يوجب شفاعته للعبد يوم القيامة كما قال في الحديث الصحيح عنه عليه السلام:"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلاَّ لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة" فقول مالك ان ثبت معناه أنك إذا استقبلته وصليت وسلمت عليه وسألت الله له الوسيلة يشفع فيك يوم القيامة فان الأمم يوم القيامة يتوسلون بشفاعته، واستشفاع العبد به في الدنيا إنما هو فعل ما هو سبب لحصول شفاعته له يوم القيامة، كإتباعه فيما جاء به وسؤال الله له الوسيلة والصلاة والسلام عليه ونحو ذلك مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعله لا فعل ما ليس من شرعه مما نهى هو وأصحابه عنه. وكذلك ما نقل عن مالك في رواية ابن وهب إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ويدعو ويسلم مني الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه كما تقدم موضحاً عنه. فهذا هو الدعاء المشروع هناك، كالدعاء عند زيارة قبور صائر المؤمنين وهو الدعاء لهم، فإنه صلى الله عليه وسلم أحق الناس بأن يصلي ويسلم عليه ويدعى له. وبهذا يتفق قول مالك ويفرق بين الدعاء الذي أحبه والدعاء الذي كرهه