للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالدعاء في الآية العبادة، بالظاهر أنه يعني بها خصوص السجود لتماثيل الأنبياء والملائكة، ولم يعلم أنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من دعاء ورجاء وتوكل وصلاة وصوم وزكاة وصلة رحم وبر وإذا جعل شيئاً من ذلك لغير الله فقد عبده فيعبر عنها بما هي من معناه، ولذلك قال سبحانه: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فعبر عن العبادة بالدعاء لأنها معناه، ولأنهم كانوا يدعونها لتشفع لهم فيما يسألونه منها ولهذا قال تعالى في موضع آخر: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} وكل ما أمر به شرعاً من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي فهو العبادة، ومن جعل ما هي من معناه المختص بجلال الله لغيره ففد عبده بما هو مأمور به شرعاً لله وحده، وقوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} قال ابن عباس ومقاتل بمرض أو فقر أو بلاء أو شدة هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة خير وصحة وكشف شدة ورفع بلاء هل هن ممسكات رحمته، قال مقاتل فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا لعلمهم أن ذلك لا يكون إلاَّ من الله وحده، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} ولا يخفى ما في الاستدلال بهذه الآية بل بالقرآن كله والسنة على من علق الخيط والحرزة وعلق العظم والتميمة لدفع البلاء أو رفعه أو حصول خير أو نفعه من كمال مناسبة معناها بمن اعتقد في شيء أعظم مما اعتقد فيه الأولون فعلقه ولبسه وتعلقه ليدفع عنه سوءاً وبلاء أو لرفعه أو ليكون سبباً في دفعه ورفعه إذ الأسباب لا يجوز أن يتعاطى منها إلاَّ ما شرعه الله ورسوله فلا يجعل الشرك أو المحرم سبباً في حصول غرض من الأغراض الدنيوية أو الأخروية، ولا يتخذ سبباً من الأسباب إلاَّ بعد علمه بحكمه وحيث جاز فلا يركن إليه ولا يتكل عليه، وهذا وايم والله في الجائز فما الظن فيمن جعل الحرام المجمع عليه حلالاً واعتقد فيه وتوكل عليه، هل هذا يجامع الإيمان أو الإسلام أو محملاً يعدل به عن اعتقاده إلى رتبة الفساق المرتكبين لأنواع الحرام مع وجود الإسلام وأصل الإيمان، أم اعتقاده أفسد عليه فخرج به عن خطة دين الإسلام الذي أنزل به القرآن وعلق بوجوده الغفران ودخل في خطة عباد الشيطان وتماثيل الأنبياء والملائكة والمرسلين من الأحجار والأشخاص والطلاسم التي هي أسماء المعبودين، والرسل لم بعثهم الله إلاَّ لإبطال كل ما يخالف دينه وما شرعه ويكسروا الأحجار ويطمسوا التماثيل

<<  <   >  >>