ما صدر منه على ظاهره وقال: هذه الأشعار ونحوها تتضمن مذهب أهل الاتحاد من القائلين بوحدة الوجود والحلول كقصيدته المسماة "نظم السلوك" ومثل كثير من شعر ابن إسرائيل وابن عربي وابن سبعين، والتلمساني وما يوافقهما من النثر الموافق لمعناها فهذه الأشعار من فهمها علم أنه كفر وإلحاد، وأنها مناقضة للعقل والدين ومن لم يفهمها وعظم أهلها كان بمنزلة من سمع كلاماً لا يفهمه وعظمه، وكان ذلك من دين اليهود والنصارى والمشركين، وإن أراد أن يحرفها ويبدل مقصودهم بها كان من الكاذبين البهاتين المحرفين لكلم هؤلاء عن مواضعه، فلا يعظم هؤلاء وكلامهم إلا أحد رجلين: جاهل ضال، أو زنديق منافق، وإلا فمن كان مؤمناً بالله ورسوله، عالما بمعاني كلامهم لا يقع منه إلا بغض هذا الكلام وإنكاره، والتحذير منه، وهذا كقول ابن الفارض يشير إلى الحضرة الإلهية وإلى نظرية الاتحاد ووحدة الوجود الكافرة:
لها صلاتي في المقام أقيمها ... واشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل واحد ساجد إلى ... حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم تكن ... صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
وما زلت إياها وإياي لم تزل ... ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
إلي رسولاً كنت مني مرسلا ... وذاتي بآياتي عليّ استدلت
وقد رفعت تاء المخاطب بيننا ... وفي فرقها عن فرقة الفرق رفعة
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن ... منادي أجابت من دعاني ولبت
وإن نال بالتنزيل محراب مسجد ... فما نال بالإنجيل هيكل بعثة١
وإن خر للأصنام الخ البيت السابق، وذكر أبياتاً لابن إسرائيل وغيره، ثم قال: وحقيقة قول هؤلاء أنهم قالوا في مجموع الوجود أعظم مما قالته النصارى في المسيح، فإن النصارى ادعوا أن اللاهوت الذي هو الله اتحد مع الناسوت وهو ناسوت المسيح أو حل فيه مع كفرهم الذي أخبر الله به، كما قال:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} فهم مع هذا الكفر يقرون بأن الله خلق
١ من أبيات هذه القصيدة يشير إلى أن من عشق ليلى ولبنى وعزة من الفساق فقد عشق في الحقيقة الحضرة الإلهية والعياذ بالله.