وفيما ذكرناه يتبين لك حال هذا الرجل، وحال كتابه، في إحياء علوم الدين وهذا غاية ما نعتقده فيه، لا نرفعه فوق منزلته فعل الغالين، ولا نضعه من درجته كما وضعه بعض المقصرين فإن من الناس من يغلوا فيه، وفي كلامه الغلو العظيم ومنهم من يذمه، فيهدر محاسنه ويرى تحريق كتابه، وسمعنا أن منهم من يقول ليس هذا إحياء علوم الدين، بل إماتة علوم الدين، والصراط المستقيم حسنة بين سيئتين، وهدي بين ضلالتين١.
وورد على الإمام محمد بن عبد الوهاب سؤال هذا نصه:
بلغنا أنكم تكفرون أناساً من العلماء المتقدمين، مثل ابن الفارض وغيره، وهو مشهور بالعلم من أهل السنة. فأجاب:
أما ما ذكرت أنا نكفر ناساً من المتقدمين وغيرهم فهذا من البهتان الذي أشاعه عنا أعداؤنا ليجتالوا به على الناس عن الصراط المستقيم، كما نسبوا إلينا غير ذلك من البهتان أشياء كثيرة، وجوابنا عنها أن نقول:"سبحانك هذا بهتان عظيم" ونحن لا نكفر إلا رجلاً عرف الحق وأنكره بعد ما قامت عليه الحجة، ودعي إليه فلم يقبل وتمرد وعاند، وما ذكر عنا من أنا نكفر غير من هذا حاله فهو كذب علينا وأما "ابن الفارض" وأمثاله من الاتحادية فليسوا من أهل السنة بل لهم مقالات شنع بها عليهم أهل السنة، وذكروا أن هذه الأقوال المنسوبة إليهم كفريات منها قول ابن الفارض في التائية شعراً:
وإن خرّ للأصنام في البيت عاكف ... فلا تعني بالإنكار للعصبية
وإن عبد النار المجوس فما انطفت ... كما جاء بالأخبار من ألف حجة
فما عبدوا غيري وما كان قصدهم ... سواي وإن لم يضمروا عقد نيّة
فمن أهل العلم من أساء به الظن بهذه الألفاظ وأمثالها، ومنهم من تأول ألفاظه وحملها على غير ظاهرها وأحسن فيه الظن، ومن أهل العلم والدين من أجرى
١ وهذا ما صنعته، فقد لخصت "الإحياء" فأبقيت ما فيه من الخير ومن أحاديث صحيحة وحذفت غير ذلك، ولعلي أول من صنع هذا الصنيع، وقد وجدت جميع من لخصوا هذا الكتاب كالإمام ابن الجوزي والمقدسي وجمال الدين القاسمي أبقوا فيه بعض الأحاديث الضعيفة والآراء الصوفية الخرافية ولله الحمد والمنة.