بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال المصنف رحمه الله: [فبعث الله إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله، ولا يصلح منه شيء لغيره سبحانه وتعالى، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فضلاً عن غيرهما، وإلا فهؤلاء المشركون مقرون ويشهدون أن الله هو الخالق الرازق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي إلا هو، ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده، وتحت تصرفه وقهره.
فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا فاقرأ قوله تبارك تعالى:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}[يونس:٣١] وقوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون:٨٤-٨٩] وغير ذلك من الآيات] .
قال الشيخ رحمه الله:[فبعث الله إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام] بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الذين كانوا يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله ليجدد لهم دين أبيهم إبراهيم، فالذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم من بقايا دين إبراهيم شيء قليل، فبعث الله سبحانه وتعالى محمداً يجدد لهم هذا الدين، ووراثتهم لدين إبراهيم إنما هي بسبب كون ولده إسماعيل بقي في مكة، وإلا فإنهم لم يبعث إليهم رسول خاص كما قال جل ذكره:{لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}[يس:٦] ، فإن قريشاً والعرب لم يبعث إليهم رسول يدعوهم إلى التوحيد، وإنما كانوا على بقايا دين إبراهيم، فلما اشتد الانحراف، وعمت الضلالة، بعث الله سبحانه وتعالى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، فجدد الرسالة، وأقام الدين، ونشر التوحيد، فجزاه الله عن الأمة خير ما جزى نبياً عن أمته.