للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التحذير ممن يتبعون المتشابهات]

ثم قال رحمه الله: [وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) ] وهذا الحديث في الصحيحين من حديث عائشة، وفيه التحذير من السماع لأهل الشبهات وأهل الأهواء.

والشبهات -أيها الإخوة- قد ترد على العبد، ويظن أنها نابعة عن سعة علم، وعن معرفة واطلاع، والغالب أن الشبهات لا ترد إلا على قلب ضعيف، فالشبهات لا تنشأ إلا عن قلة في العلم أو ضعف في البصيرة؛ ولذلك إذا تواردت على قلبك الشبهات فاعلم أن علمك ضعيف، وليس ذلك لكثرة علمك.

وقد تكلم ابن القيم رحمه الله كلاماً طيباً في الحذر من الشبهات وأهل الشبهات، وذكر وصية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذلك في مفتاح دار السعادة، قال رحمه الله: (فأيما قلب صغى إليها -أي: إلى شبهات الباطل- وركن إليها، تشربها وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه، وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه - يشير إلى ابن تيمية رحمه الله - وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشرَبتَ قلبك كل شبهة تمر عليه صار مقراً للشبهات أو كما قال) اهـ.

يقول ابن القيم رحمه الله: (فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك) ، وهذه وصية نافعة مباركة في دفع الشبهات ودحضها، وهي أن يحذر الإنسان منها، وألا يجعل قلبه مقراً لها، بل يدفعها عن قلبه ما استطاع، ومن سبل دفعها دفع أهلها والنأي عنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>