للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتمهيدا للوصول إلى المقصود، أذكر خلاصة جواب الشيخ القباب، وهي أن من أراد سلوك طريق الصوفية، ومعرفة المقامات والأحوال، وأخذ النفس بتلك الصفات، وملاحظة الخواطر ومدافعة العوارض. لا بد له من شيخ في ذلك، ولا تكفيه كتب القوم، فإن في هذا الطريق مخاوف ومهالك. على أن سلوك هذا الطريق ليس محتمًا، وإنما هو تطلب لمزيد من الربح "وليس شأن العقلاء المخاطرة في

طلب ربح، بسلوك طريق مخوفة بغير دليل إلا وصفًا من كتب١.

وأما الخوض في طريق معرفة ما فيه قوام المعاملة وتصفيتها من الشوائب المفسدة، ومعرفة عيوب النفس ومداواة عللها، فهو خوض متأكد لا غنى لأحد عنه. فمن وجد فيه مرشدًا فليلزمه ومن لم يجد فعليه بالكتب. لأنه فرض على كل واحد، ومن اشتغل به لم يسعه -غالبًا- التفرغ لسواه "ويا عجبا كيف يفني عمره في البحث عن المقامات والأحوال، قبل مطالبة النفس بالتخلص من التباعات المالية والعرضية، وقبل البحث عما يلزمه فرضا مجمعًا عليه، وهو ألا يقدم على فعل ولا قول ولا حركة ولا سكون، حتى يعرف حكم الله تعالى عليه في ذلك.

ثم إذا أحاط به علمًا، طالب نفسه باتباع الواجب منه حتمًا، والانكفاف عن المحرم في الاعتقادات والضمائر والحركات والسكنات، وسائر الأحوال. ويقوم بالواجب عليه من قول الحق، حيث وجب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث ما تعين، ويتفقد جوارحه في كل لحظة. ويحاسب نفسه صباح٢ ومساء"٣ إلى أن قال -هو بيت القصيد-: "وإذا شغله شاغل عن لحظة في صلاته فرغ سره منه، بالخروج عنه، ولو كان يساوي خمسين ألفًا، كما فعله المتقدمون٤.

ثم استمر صفحات أخرى، انتهى فيها إلى الاعتذار للسائل عن تتبع فصول المسألة واحدًا واحدًا كما طلب منه ذلك، ومعترفًا -في تواضع مدهش غريب


١ المعيار: ١١/ ١١٩.
٢ الخطأ ظاهر: فإما أنها: صباح مساء، أو صباحا ومساء.
٣ المعيار: ١١/ ١٢٠.
٤ المعيار: ١١/ ١٢٠.

<<  <   >  >>