للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذهب ابن القيم بعيدًا في تعليل الأحكام، بما في ذلك الأحكام العبادية والتعبدية١:

فقد علل جعل التيمم بدلا عن الطهارة المائية، وعلل الاقتصار فيه على عضوين، وعلل كون الحجامة تفطر الصائم، وعلل كون المني يوجب الغسل بينما البول لا يوجب إلا الوضوء، وعلل كون خروج الريح يوجب غسل أعضاء لا صلة لها بذلك. وعلل أحكامًا كثيرة من هذا القبيل، كما علل أضعافًا لها في مجال المعاملات٢.

ورغم أن ابن القيم -بسبب إصراره على تعليل كل شيء- قد وقع في تعليلات ضعيفة، كما في تعليله للفرق بين بول الصبي وبول الصبية٣، وكما في تعليله لكون صلاة النهار سرية وصلاة الليل جهرية٤.

ورغم أنه اعترف بشيء مما ذهب الشاطبي والغزالي، فقال: "وبالجملة، فللشارع في أحكام العبادات أسرار لا تهتدي العقول إلى إدراكها على وجه التفصيل، وإن أدركتها جملة"٥.

رغم هذا وذاك، فإنه -على خلاف الشاطبي- اتخذ التعليل أصلًا، وعدم التعليل استثناء.

وهو بهذا يوافق -من جهة- الأصل العام في أن الشريعة معللة برعاية المصالح، بغض النظر عن التفريق بين العبادات وغيرها، وهو الأصل الذي سبق أن الشاطبي يعتبره مسألة مسلمة قطعية. ويعبر عنه المقري بقوله: "الأصل في الأحكام: المعقولية لا التعبد، لأنه أقرب إلى القبول، وأبعد عن الحرج"٦.


١ الأحكام التعبدية هي التي لا تدرك حكمها، ولو كانت في مجال المعاملات.
٢ انظر: أعلام الموقعين، الجزء الثاني في أوله.
٣ أعلام الموقعين، ٢/ ٧٨-٧٩.
٤ أعلام الموقعين، ٢/ ١٣٧-١٣٨.
٥ أعلام الموقعين، ٢/ ١٠٧.
٦ قواعد الفقه، القاعدة ٧٢.

<<  <   >  >>