للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال عليه الصلاة والسلام: "بعثت بالحنيفية السهلة السمحة" وقال: "لا ضرر ولا ضرار".

وسادسها: أنه وصف نفسه بكونه رؤوفًا رحيمًا، وقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} فلو شرع ما لا يكون للعبد فيه مصلحة، لم يكن ذلك رأفة ورحمة.

فهذه الوجوه الستة دالة على أنه تعالى ما شرع الأحكام إلا لمصلحة العباد١.

هذا هو موقف الرازي من التعليل بالمصلحة: موقف مؤيد بقوة ووضوح، مدافع بحماس، وبتفصيل أكثر مما فعله الشاطبي نفسه.

وقد واصل الرازي بعد الفقرات المتقدمة، دفاعه عن التعليل، وفند كل من يمكن الاعتراض به في المسألة، تفنيدًا عقليا ونقليا، وانتهى إلى القول "انعقد الإجماع على الشرائع مصالح، إما وجوبًا كما هو قول المعتزلة، أو تفضلا كما هو قولنا"٢.

بل إن الرازي -لفرط تحمسه للدفاع عن التعليل- يكاد يكون "معتزليا" فهو حين جعل من أدلة رعاية الله للمصالح، كونه سبحانه خلق العبد للعبادة، قال: "فلا بد أن يزيح عذره"٣، وذلك برعاية مصالحه.

ونوه مرة أخرى -وبصورة أوضح- بموقف المعتزلة فقال: "وأما المعتزلة: فقد صرحوا بحقيقة هذا المقام وكشفوا الغطاء عنه، وقالوا: إنه يقبح من الله تعالى فعل القبيح، وفعل العبث. بل يجب أن يكون فعله مشتملًا على جهة مصلحة وغرض.


١ المحصول، الجزء٢، القسم ٢/ ٢٣٧-٢٤٢.
٢ المحصول، ٢-٢/ ٢٩١.
٣ المحصول، ٢-٢/ ٢٤٠، وعبارته هذه لا تختلف في مضمونها عما تقول به المعتزلة من "وجوب" رعاية مصالح العباد.

<<  <   >  >>