للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الفقهاء، فإنهم يصرحون بأنه تعالى إنما شرع هذا الحكم لهذا المعنى، ولأجل هذه الحكمة، ولو سمعوا لفظ "الغرض" لكفروا قائله. مع أنه لا معنى لتلك "اللام" إلا "الغرض"١.

فهل يسوغ أن ينسب صاحب هذه المواقف إلى إنكار التعليل البتة؟! وهل يعقل أن يصنف مع الظاهرية؟!

الحقيقة أن الذين يغمزون الرازي بالتأثر بالمعتزلة كانوا أقرب إلى الصواب، لولا أن الله تعالى يقول: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} ٢ فلا نسم أحدًا إلا بما ارتضاه أو تسمى به بنفسه.

ولم يقتصر الرازي -في بيان موقفه من التعليل- على ما ذكره في "المحصول"، بل عبر عنه في عدد من مؤلفاته. من ذلك ما جاء في "مناظرات الفخر الرازي"، حيث بين لماذا يقع التعليل عند القياسيين بالأوصاف والأمارات الظاهرة، دون الحكمة والمصلحة والمفسدة، فذكر "أن التعليل بالأوصاف المشتملة على المصالح والمفاسد، إنما جاز لاشتمالها على تلك المصالح والمفاسد. فالمؤثر الحقيقي في الأحكام هو رعاية تلك المصالح. وأما الأوصاف -وهي في الحقيقة غير مؤثرة في الأحكام- إلا أنها لأجل اشتمالها على تلك المصالح والمفاسد، جاز التعليل بها فثبت أن تأثير المصالح والمفاسد في الأحكام تأثير حقيقي جوهري أصلي. وأما تأثير الأوصاف في الأحكام، فهو تأثير مجازي عرضي غريب" إلى أن قال: "وأما بيان أن التعليل بالأوصاف المصلحية جائز، فهذا متفق عليه بين العقلاء"٣.

وواضح جدا أن المصالح والمفاسد -عند الرازي- هي العلل الحقيقية المؤثرة في شرع الأحكام. أي أن المصالح والمفاسد هي مناط الأحكام. ولكن نظرًا لعدم ظهورها أو عدم انضباطها في كثير من الأحيان، يقع نوط الأحكام وربطها بأسباب


١ المحصول، ٢-٢/ ٢٤٢.
٢ سورة الحجرات، ١١.
٣ مناظرات فخر الدي الرازي، ٢٥.

<<  <   >  >>