للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلامات ظاهرة منضبطة، تتلازم غالبًا مع المصلحة أو المفسدة المقصودة بالحكم. ومن هنا يفضل الفقهاء والأصوليون تعليل الأحكام بالأوصاف الظاهرة المنضبطة بدل تعليلها -مباشرة- بالمصلحة والمفسدة ولا سيما إذا كانت خفية، أو عسيرة الضبط.

وفي ضوء هذا، ينبغي أن نفهم ما أورده الدكتور شلبي، في سياق أن الرازي ينكر التعليل، حيث قال: "والرازي -فيما نقله الأسنوي في بحث المناسبة- يقول: لا يجوز تعليل الأحكام بالمصالح والمفاسد"١.

فإذا وجدنا الرازي يقول بمنع التعليل بالمصلحة والمفسدة، فلعدم انضباطها، لا لكون أحكام الله غير معللة في حقيقتها بجلب المصالح ودرء المفاسد. فكلامه المتقدمة قاطع في أنه يعتبر المصلحة أو المفسدة هي العلة الحقيقية الأصلية للحكم.

على أن الرازي الذي اختار في "المناظرات" منع التعليل المباشر بالمصلحة والمفسدة -أثناء عملية القياس- قد مال إلى تجويزه في "المحصول" فقد تعرض لذكر الخلاف في مسألة التعليل بالحكمة -وهو التعليل المباشر بمقصود الحكم، من جلب مصلحة كذا، أو دفع مفسدة كذا- ثم قال: "والأقرب جوازه٢ ثم دافع بتفصيل عن هذا التجويز٣.

وعلى كل حال، فهذه المسألة، هي غير المسألة الأصلية، وهي كون أحكام الله تعالى معللة برعاية المصلحة. وإنما جاء هذا الاستطراد لرفع الالتباس عن كلام الرازي وموقفه المدافع بقوة وحماس عن تعليل الشريعة.


١ تعليل الأحكام، ١٠٥-١٠٦.
٢ المحصول، ٢-٢/ ٣٨٩ وما بعدها.
٣ ولعل من المفيد أن أسجل هنا ما لاحظه ابن تيمية -بحق- من تقلبات الرازي، وتباين مواقفه من فترة لأخرى، ومن مؤلف لآخر، حيث قال: "وأما ابن الخطيب فكثير الاضطراب جدا، لا يستقر على حال، وإنما هو بحث وجدل، بمنزلة الذي يطلب ولم يهتد إلى مطلوبه، بخلاف أبي حامد، فإنه كثيرًا ما يستقر "مجموع الفتاوي، ٦/ ٥٥".

<<  <   >  >>