للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالشاطبي كان ملهمًا وموفقًا حين افتتح كتاب المقاصد بمسألة التعليل، وحين اعتبرها مسألة "مسلمة"، ولكن لكي تكون المسألة مسلمة فعلا، كان ينبغي الاهتمام بموقف ابن حزم، ذلك الخصم العنيد، الذي يشوش -بحدة وعنف- على القول بأن الشريعة جاءت لرعاية المصالح، وأن أحكامها معللة بهذا. ومن ثم، فهو يشوش على كل كلام في مقاصد الشريعة.

فلا بد من سد هذه الثغرة، بإزاحة شبه ابن حزم، حتى تكون المسألة مسلمة حقا، وحتى تكون حكاية الإجماع فيها أيضًا مسلمة، لا يعكرها موقف ابن حزم ولا غيره١.

لأجل هذا رأيت أن أقف هذه الوقفة القصيرة٢ مع أهم آراء ابن حزم واستدلالاته، عرضًا ومناقشة:

وأبدأ أولًا بالإشارة إلى أن هناك قدرًا من الخلاف مع ابن حزم، يمكن أن يؤول إلى الوفاق، انطلاقًا مما يسميه الأصوليون "تحرير محل النزاع". ذلك أن كثيرًا من الخلافات، قد تكون راجعة إلى اختلاف لفظي واصطلاحي. وقد نبه ابن حزم نفسه على هذا فقال: "والأصل في كل بلاء وعماء وتخليط وفساد٣: اختلاط الأسماء، ووقوع اسم واحد على معاني كثيرة، فيخبر المخبر بذلك الاسم، وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيحمله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر، فيقع البلاء والإشكال"٤.


١ وإن كان إمام الحرمين الجويني يقول: "الذي ذهب إليه ذوو التحقيق أنا لا نعد منكري القياس من علماء الأمة، وحملة الشريعة، فإنهم مباهتون أولًا على عنادهم فيما ثبت استفاضة وتواتر. ومن لم يزعه التواتر، ولم يحتفل بمخالفته، لم يوثق بقوله ومذهبه. فهؤلاء ملتحقون بالعوام. وكيف يدعون مجتهدين ولا اجتهاد عندهم؟ وإنما غاية التصرف التردد على ظواهر الألفاظ"، البرهان، ٢/ ٨١٩.
٢ ذلك أن العرض الكامل، والمناقشة التفصيلية، يحتاجان إلى أضعاف ما كتبه ابن حزم. فلا يصلح لذلك إلا بحث خاص.
٣ مبالغات معهودة من ابن حزم، ولكن يهمنا ما بعد.
٤ الإحكام، ٨/ ١٠١.

<<  <   >  >>