للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن جوانب الموضوع التي يمكن إخراجها من دائرة الخلاف مع ابن حزم أنه ينكر مرارًا على أصحاب التعليل -وخاصة من أهل السنة- ما لا يقولون به، وهو التعليل بمعناه الفلسفي الذي رأينا من قبل أن عامة المتكلمين الأشاعرة ينكرونه. فهو يقول: "إن العلة اسم لكل صفة توجب أمرًا ما، إيجابا ضروريا١ والقول بهذا النوع من العلل في شرع الأحكام معناه "أن الشرائع شرعها الله تعالى لعلل أوجبت عليه أن يشرعها"٢.

وهذا لا يقول به أحد من أهل السنة. بل دأب علماء السنة إنكار هذا على الفلاسفة والمعتزلة.

فعلماء السنة يقولون -كما مر- بعلل جعلية، جعلها الله بمشيئته، لا يلزمه منها شيء. ومن هنا فهم يقولون برعاية المصالح من الله، تفضلا وإحسانًا، لا وجوبًا وضرورة. فمعركة ابن حزم ضد هذا النوع من التعليل، هي معركة ضائعة. فلو أنه أخذ اصطلاح القوم بعين الاعتبار -ولا يمكن أن يكون خافيًا عليه- لضاقت هوة الخلاف، ولخفت حدة المعركة التي حمي وطيسها، كما قال ابن القيم.

وأيضًا، إذا أخذنا اصطلاحه هو بعين الاعتبار، فإن الخلاف سينقص درجة أخرى.

فأما مفهوم العلة عنده، فالجميع متفق معه على إنكاره، أعني أهل السنة. وأما التعليل كما يقصده أهل السنة، فإن ابن حزم يعترف أيضًا بقدر منه. ولكنه لا يسمي ذلك علة ولا تعليلًا. وإنما يسميه "السبب".

والسبب عنده: "هو كل أمر فعل المختار فعلا من أجله، لو شاء لم يفعله، كغضب أدى إلى انتصار، فالغضب سبب الانتصار. ولو شاء المنتصر أن لا ينتصر لم ينتصر. وليس السبب موجبًا للشيء المسبب منه ضرورة"٣.


١ الإحكام، ٨/ ٩٩.
٢ الإحكام، ٨/ ١٠٢.
٣ الإحكام، ٨/ ١٠٠.

<<  <   >  >>