للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالفرق الجوهري عنده بين العلة والسبب، وهو أن العلة موجبة ضرورة لمعلولها. بينما السبب لا إيجاب فيه ولا اضطرار. فيبقى فاعل المسبب مختارًا، إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعله، وإن وجد السبب.

وبهذا المعنى، فهو يقر -كسلفه أبي سليمان- أن الشارع ربط بعض الأحكام بأسباب، وقد مثل لذلك: بقوله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس جرمًا في الإسلام من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته" ويجعل الموت على الكفر سببًا للخلود في النار، والموت على الإيمان سببًا لدخول الجنة، ويجعل السرقة بصفة معينة سببًا للطقع١.

على أنه يحيط اعترافه بهذا النوع من السببية بين الأحكام وأسبابها، بحملة شروط، تجعل الفرق بينه وبين جمهور العلماء كبيرًا، وهي:

١- هذه الأسباب لا يجوز أن يقال بشيء منها إلا إذا جاء منصوصًا صراحة فلا اجتهاد ولا استنباط في ذلك.

٢- هذه الأسباب المنصوصة، لا يجوز تعديتها إلى غير محل النص، أي لا يجوز القياس عليها.

٣- هذا الربط المنصوص بين بعض الأحكام وبعض الأسباب، ليس وراءه حكمة أو غرض، أي ليس فيه قصد إلى جلب مصلحة أو درء مفسدة. وإنما هي مشيئة الله وكفى.

ولابن حزم مصطلح ثالث، إذا أخذنا مضمونه بعين الاعتبار، نقص الخلاف درجة أخرى، وإن كانت قليلة جدا. وهو مصطلح "الغرض" الذي يعرفه بقوله: "وأما الغرض فهو الأمر الذي يجري إليه الفاعل ويقصده بفعله فالغرض من الانتصار إطفاء الغضب وإزالته. فالغضب هو السبب في الانتصار. وإزالة الغضب هو الغرض في الانتصار"٢.د


١ الإحكام، ٨/ ١٠٢.
٢ الإحكام، ٨/ ١٠٠.

<<  <   >  >>