للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابن حزم بهذا المثال -يريد أن يقول: إذا كانت بعض الأحكام الشريعة لها أسباب، والأحكام مسببات لها. فإن بعض هذه المسببات قد يكون للشارع فيها أغراض، يرمي إلى تحقيقها من خلال المسببات، أي أن لها أهدافًا ومقاصد وكأن ابن حزم بهذا يقترب من الجمهور، ولكنه سرعان ما يعمد إلى تضييق هذه المبادئ، على ما فيها من التواء!

والقيد الأول هو المتمثل في النزعة الظاهرية كلها. وقد عبر عنه بقوله: "وأما الغرض في أفعاله تعالى وشرائعه، فليس هو شيئا غير ما ظهر منها فقط١ أي ليست هناك أغراض -أو مقاصد- يتوصل إليها عن طريق التدبر والاستنباط، أو عن طريق الاستقراء، أو انطلاقًا من التعليل العام.

والقيد الثاني: هو حصر هذه الأغراض في الآخرة، فالغرض في بعض الأحكام الشرعية هو "أن يعتبر بها المعتبرون, وفي بعضها أن يدخل الجنة من شاء إدخاله فيها، وأن يدخل النار من شاء إدخاله فيها٢، ثم يضيف مستدركًا وموضحًا:

"وكل ما ذكرنا من غرضه تعالى في الاعتبار، ومن إدخاله الجنة من شاء، ومن إدخاله النار من شاء، وتسبيبه ما شاء لما شاء، فكل ذلك أفعال من أفعاله، وأحكام من أحكامه، لا سبب لها اصلًا، ولا غرض له فيها البتة غير ظهورها وتكوينها فقط {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} ، ولولا أنه تعالى نص على أنه أراد منه الاعتبار وأراد إدخال الجنة من شاء، ما قلنا به٣.

ولعل أهم "دليل" يقيم عليه ابن حزم مذهبه في إنكار التعليل والتشنيع على المعللين، هو هذه الآية التي أشار إليها، وهي قوله عز وجل: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ٤.


١ الإحكام، ٨/ ١٠٣.
٢ الإحكام، ٨/ ١٠٤.
٣ الإحكام، ٨/ ١٠٤.
٤ سورة الأنبياء، ٢٣.

<<  <   >  >>