للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأرى من الضروري أن أدع ابن حزم يوضح استدلاله بالآية، ولو كان في ذلك شيء من التطويل.

يقول: "وقد قال تعالى واصفًا لنفسه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فأخبر تعالى بالفرق بيننا وبينه، وأن أفعاله لا يجري فيها "لم". وإذا لم يحل لنا أن نسأله عن شيء من أحكامه تعالى وأفعاله: "لم كان هذا؟ "، فقد بطلت الأسباب جملة، وسقطت العلل البتة، إلا ما نص الله تعالى عليه أنه فعل أمر كذا لأجل كذا. وهذا أيضًا مما لا يسأل عنه، فلا يحل لأحد أن يقول: لم كان هذا السبب لهذا الحكم ولم يكن لغيره؟ ولا أن يقول: لم جعل هذا الشيء سببًا دون أن يكون غيره سببًا أيضًا؟ لأن من فعل هذا السؤال فقد عصى الله عز وجل وألحد في الدين، وخالف قوله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} فمن سأل الله عما يفعل فهو فاسق١.

وفي موضع آخر ينتقد موقف القياسيين الباحثين عن علل الأحكام بقوله: "وهم دائمًا يسألون ربهم: لم فعلت كذا؟ كأنهم لم يقرءوا هذه الآية! نعوذ بالله من الخذلان٢.

وبهذا الفهم، وبهذا الاستدلال، يتخذ ابن حزم من الآية سيفًا بتارًا يلوح به، بل يضرب به كل باحث عن حكم الشريعة وعلل أحكامها، ويغلق بذلك ما يسميه الأصوليون "مسالك التعليل" -باستثناء مسالك النص "في ظاهره"- ويحرم ويفسق كل تساؤل عن مقاصد الشارع وأسرار الشريعة!!

ولم أر من رد على ابن حزم -بالاسم- في استدلاله الخطير بهذه الآية، غير الشيخ محمد أبي زهرة. وأهم ما رد به عليه، هو أنه "أي ابن حزم" خلط بين أفعال الله وأحكامه، ونقل منع السؤال من الأولى إلى الثانية يقول الشيخ أبو زهرة: "ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لا يسأل عن أفعاله ولا يسأل عن أقواله، لأنه ليس


١ الإحكام، ٨/ ١٠٢-١٠٣.
٢ الإحكام، ٨/ ١٢٥.

<<  <   >  >>