للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأحد سلطان بجوار سلطانه. إنه مالك الملك ذو الجلال الإكرام، فليس لأحد أن يستطيل فيسأل عن علة أفعاله تعالى، لأنه الحكيم العليم الخبير، ولكن هل يقتضي هذا، النهي عن أن يبحث عن علة النصوص في الشريعة؟ إني أرى أن الفارق كبير بين علة النصوص الشرعية وعلة أفعال الله تعالى. لأن البحث عن علة النصوص في الشريعة، تعرف للمراد منها والمطلوب فيها"١.

وهذا الرد من الشيخ أبي زهرة، لا يستطيع الصمود أمام منطق ابن حزم واستدلالاته المسهبة في الموضوع، فضلًا عن أن يكفي لنقضها وإقصائها لأن أحكامه من أفعاله، ولأن أفعاله فيها نوع من أحكامه. وابن حزم يستدل -أيضًا- على منع التعليل بقوله سبحانه {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ٢ أي أنه يفعل ما يريد ويحكم بما يريد، {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} ، و {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} ، سواء في الخلق وتدبيره، أو في التشريع وإبرامه، وفي كل ذلك "يفعل" ما يريد. فقول القائل لله تعالى "لم حكمت بكذا؟ " كقوله له: "لم فعلت كذا؟ ".

ثم إن الشيخ أبا زهرة صرح أن الله تعالى لا يسأل عن أفعاله وأقواله، ثم سوع السؤال عن علل النصوص الشرعية. والنصوص الشرعية من أقوال الله. كما ذكر رحمه الله أن البحث عن علة النصوص، إنما هو تعرف للمراد منها والمطلوب فيها. والحقيقة أن بين الأمرين فرقًا ودرجة. فتعرف المراد والمطلوب من النص درجة، وتعليله درجة أخرى. فقوله تعالى -مثلًا- {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} ٣، المراد منه أن الجمع بين المرأتين الأختين في عصمة زوج واحد، في وقت واحد، حرام، والمطلوب اجتنابه. فهذا هو الحكم على المكلف معرفته والتزامه. أما تعليله فشيء آخر. فهذه درجة، وتلك درجة. وابن حزم -كما


١ ابن حزم ص٤٣٧ وما بعدها. وانظر في ذلك تاريخ المذاهب الفقهية، له أيضًا، ص٤٣٠-٤٣١.
٢ سورة هود، ١٠٧، وسورة البروج، ١٦.
٣ سورة النساء، ٢٣.

<<  <   >  >>