للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه لا بد من صاع التمر، لا يجزئ غيره، "فجعلوه تعبدًا، فعينوه اتباعًا للفظ النص. وخالفهم آخرون فقالوا: بل يخرج في كل موضع صاعًا من قوت ذلك البلد الغالب. وهذا هو الصحيح"١ ثم قال "ص١٤" "ولا ريب أن هذا أقرب إلى مقصود الشارع ومصلحة المتعاقدين.

وكذلك حكم ما نص عليه الشارع من الأعيان التي يقوم غيرها مقامها من كل وجه، أو يكون أولى منها كنصه على الأحجار في الاستجمار، ومن المعلوم أن الخرق والقطن والصوف أولى منها بالجواز. وكذلك على التراب في الغسل من ولغ الكلب، والأشنان أولى منه. هذا فيما علم مقصود الشارع منه، وحصول ذلك المقصود على أتم الوجوه بنظيره أو ما هو أولى منه".

وما قرره كل من أبي زيد الدبوسي وابن القيم يجرنا إلى موقف المذهب المالكي من مسألة إعطاء القيمة في الزكاة. فمن المعلوم أن المذهب المالكي -وكذلك الشافعي- يميل إلى منع البدل والقيمة عما وجب من الزكاة، ولا يجيز ذلك إلا في حالات مضيقة أقرب ما تكون إلى حالات الضرورة. وقد ترددت أقوال الفقهاء المالكية في حكم دفع القيمة، بين الكراهة والتحريم، وبين الإجزاء وعدمه٢ كما ترددت في تعليل هذا الموقف، هل هو لكون الزكاة عبادة غير معللة الأحكام٣ أو لأن المزكي إذا دفع القيمة، يكون كمن اشترى صدقته٤ وقد جاء النهي عن أن يشتري الإنسان صدقته.

وفي جميع الحالات، فإن هذا الموقف المتشدد في هذه المسألة، لا يساير النظر المصلحي والاجتهاد المقاصدي الذي عرف به المذهب المالكي!


١ أعلام الموقعين: ٣/ ١٣.
٢ انظر الشرح الكبير، للدردير. وحاشية الدسوقي عليه: ٤/ ٥٠٢.
٣ انظر المرجع السابق، والبيان والتحصيل لابن رشد: ٢/ ٤٣٠.
٤ عارضة الأحوذي: ٣/ ١٩٢ - والموافقات: ٣٠٤.

<<  <   >  >>