للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأغرب من هذا أن الإمام مالكًا سئل عن رجل يؤدي زكاة ماله قبل حلولها، أي قبل تمام الحول، هل عليه إعادة الزكاة؟ قال: نعم، أرى ذلك عليه أرأيت الذي يصلي الظهر قبل زوال الشمس، أو الصبح قبل اطلاع الفجر، أليس يعيد؟ فهذه مثله"١.

وقد علق ابن رشد على قول مالك هذا بقوله: "والأظهر أنها تجزيه إذا أخرجها قبل المحل بيسير، لأن الحول توسعة، فليس كالصلاة التي وقتها محدود لا يجوز أن تعجل قبله ولا تؤخر بعده. ولو كانت الزكاة كالصلاة في هذا، لوجب أن يعرف الساعة التي أفاد فيها المال، ليخرج عندها. وفي هذا تضييق"٢.

وليس ابن رشد وحده الذي ترك التقيد بقول الإمام في هذه المسألة، فقد حكى ابن العربي فيها أقوالًا عدة. فهو بعد أن رد أصل الخلاف إلى اعتبار جانب التعبد أو اعتبار جانب التعليل، قال: "فمن راعى جانب العبادة، فالعبادة لا تقدم على أوقاتها. فلذلك لم يجز تقدم الزكاة قبل الحول. قال مالك في العتبية، وقال: أرأيت لو صلى الظهر قبل الزوال؟ وقال أشهب مثله. ومن راعى جانب المقصود من سد الخلة وحق الآدمي فيها، جوز التقديم مطلقًا، وهو الشافعي وأبو حنيفة. وتوسط طائفة من علمائنا، فمنهم من قال: تقدم باليومين قاله في كتاب محمد. وقالوا: لعشرة، قاله ابن حبيب، وقيل خمسة عشر يومًا. وقال ابن القاسم: شهر يجزيه تقديمه فيه. ثم قال: "والذي يصح في النظر ترك التقديم أصلًا أو التقديم مطلقًا"٣.

وكأنه ضاق بهذه التحديدات التي لا هي وقفت مع التعبد ومع قول الإمام، ولا هي فتحت باب التسهيل والمصلحة، ولا هي اتفقت على قول واحد "ولكن المهم عندي من إيرادها، هو أنها كلها -باستثناء قول أشهب- لم تتقيد بقول الإمام مالك رحمه الله.


١ البيان والتحصيل: ٢/ ٣٦٦.
٢ البيان والتحصيل: ٢/ ١٩٢.
٣ عارضة الأحوذي: ٣/ ١٩٢.

<<  <   >  >>