للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اجتهاد عمر وغيره من الصحابة. وعلى كل حال، فهو اجتهاد قائم على التعليل المصلحي مع عدم الوقوف عند التعبد الظاهري.

وقد ذهب عدد من العلماء الآخرين إلى أن هذا السهم باق لم يسقط ولم ينقطع، وأن توقيفه من قبل عمر والصحابة، إنما كان اجتهادًا ظرفيًا في تصريف أموال الزكاة. وقد أجمع المسلمون أن لا نسخ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما فعله عمر رضي الله عنه إنما كان تحقيقًا لمناط الحكم في ظرفه. وهذا النظر يسمح بتجدد العمل بهذا السهم كلما اقتضى الأمر ذلك.

وللإمام الطبري في هذه المسألة نظر سديد، مبني على مقاصد الزكاة عمومًا. فهو يرى -بحق- أن للزكاة مقصدين بينها بقوله: "أحدهما سد خلة المسلمين، والآخر معونة الإسلام وتفويته. فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يعطاه الغني والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونة للدين. وذلك كما يعطاه بالجهاد في سبيل الله. فإنه يعطى ذلك غنيا كان أو فقيرًا، للغزو لا لسد خلته. وكذلك المؤلفة قلوبهم، يعطون ذلك، وإن كانوا أغنياء، استصلاحًا بإعطائهموه أمر الإسلام وطلب تقويته وتأييده. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفشا الإسلام وعر أهله. فلا حجة لمحتج بأن يقول: لا يتألف اليوم على الإسلام أحد، لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم، وقد أعطي النبي صلى الله عليه وسلم من أعطي منهم في الحال التي وصفت"١.

فسهم المؤلفة قلوبهم من جنس سهم في سبيل الله، كلاهما من باب الجهاد لنصرة الإسلام وتقويته. وإلى مثل هذا ذهب القرطبي؛ فقد عدد أصنافًا من المؤلفة قلوبهم. ثم قال: "والقصد بجميعها: الإعطاء لمن لا يتمكن إسلامه حقيقة إلا بالعطاء. فكأنه ضرب من الجهاد. والمشركون ثلاثة أصناف: صنف يرجع بإقامة البرهان. وصنف بالقهر، وصنف بالإحسان. والإمام الناظر


١ جامع البيان: ١٠/ ١١٣.

<<  <   >  >>