والليلة وبهذا فاقوا مؤرخي اليونان والرومان، وأوروبا في العصور الوسطى وقد قال المؤرخ الإنكليزي بكل: "H. TH. Buchle" إن التوقيت على هذا النحو، لم يعرف في أوربا قبل "١٩٥٧م" وبالواقع أبدى المؤرخون العرب اهتماما فائقا بتحديد الزمن في الأخبار ويتضح هذا من تعريفهم للتاريخ بأنه "الإنسان والزمان" وأنه "الزمان وأحواله" ولكن جميع الأحداث في سلسلة زمنية، هو خطوة أولى في عملية التركيب التاريخي إلا أنها ليست لبّها، فالتركيب الحقيقي يقوم على ربط الأحداث ببعضها ربطا سببيا، وهذا ما عناه ابن خلدون عندما عرف التاريخ بقوله: "هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول ... وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق"١.
لقد اتهم المؤرخون العرب بأنهم لم يسعوا إلى التعليل أبدا بل اكتفوا بالسرد، ويتفاوت المؤرخون العرب في تقصيهم للأسباب في تفسيرهم للحوادث، إلا أنهم أدركوا بالمجموع أهمية العوامل الاقتصادية والجغرافية في دفع الأحداث، وفي التأثير على حياة البشر، وكذلك العوامل النفسية والاجتماعية والفكرية، وندر جدا من المؤرخين من كان كتابه مجرد سرد ساذج لا يحمل ضمن السطور تأويله الخاص وتفسيره الذاتي.
إن المستقصي لمجموع ما دونه العرب في التاريخ وهو وفير جدا، يتعرف تماما بأن التاريخ العربي قد اهتم بالقضايا السياسية العامة لا الفردية فحسب، كما أنه توغل في بنية المجتمع، ولم يكتفِ بعض المؤرخين المسلمين بتتبع أسباب الحوادث فقط، بل سعى لتكوين تركيب فلسفي لمعنى التاريخ ككل ومن هؤلاء المطهر بن طاهر المقدسي في كتابه "البدء والتاريخ" وقد يشبهه في هذا "أبو طالب عبد الجبار" الذي عاش في أواخر القرن "الخامس الهجري" وأوائل "السادس" في أرجوزته التاريخية التي صاغ فيها التاريخ الإسلامي شعرا منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى نهاية دولة المرابطين.