الوثيقة زمانها ومكانها، هل هي الأصل أم منسوخة عنه، هل كتبت بخط صاحبها أم بخط شخصي آخر، هل كتبت بلغة العصر الذي كتبت فيه أم تتحدث بمفاهيم ولغة مختلفتين، وهل المواد التي كتبت عليها كانت مستعملة في زمن كتابتها، هل تتحدث عن أشياء كانت غير معروفة في ذلك العصر، وهل يطابق مظهرها مخبرها، هل في نصها إضافة أو حك أو تغيير، وهل تقبل على حقيقة معينة أم لا تقبل؟
ما هي هوية المؤلف، والبحث عن موارد الأصل١، هل تحمل اسم صاحبها أو تحمل اسما مستعارا؟ ويتحقق الباحث من ذلك بمقارنة الوثيقة من حيث الأسلوب والخط بأعمال أخرى للمؤلف والفترة الزمنية التي كتبت فيها الوثيقة، وهل هناك أحداث وردت في الوثيقة، وأماكن لم يكن يعرفها شخص عاش في عصر كاتب الوثيقة، وإذا كان المؤلف مجهولا وكانت الوثيقة غير مؤرخة فهل في مضمون الوثيقة ما يكشف عنهما؟
بعد أن يتم التأكيد من زمان ومكان الوثيقة وتحقيق شخصية الباحث فإن النقد الداخلي أو الباطني يسير نحو تحقيق عمله لتقويم الوثيقة، معنى المادة الموجودة في الوثيقة وصدقها، هل كتبت بناء على ملاحظة شخصية مباشرة أم نقلا عن رواة، ويسير ذلك وفق خطوتين: الأولى هي النقد الداخلي الإيجابي والهدف منه تفسير الأصل التاريخي، وإدراك معناه الحقيقي، ويمر ذلك بدورين: الأول تفسير ظاهرة النص وتحديد المعنى الحرفي له، والثاني إدراك المعنى الحقيقي للنص أي هدف المؤلف مما كتبه.
أما النقد الداخلي السلبي فيتناول مدى دقة الحقائق التي أوردها صاحب الأصل وإخلاصه، الموضوعية فيها، ويعنى هذا تحليل شخصية المؤلف وظروفه، ومدة صحة ما أورد من حوادث، أي إثبات الحقائق التاريخية، ويرتبط ذلك ارتباطا كبيرا بتقويمها أي بمدى فهمها وشرحها، ويتعلق ذلك بشخصية الباحث التاريخي وخياله المبدع