للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثقافته الواسعة وقوة ملاحظته ومقدماته، وكل هذا يوضح لنا التعقيد الشديد للتحليل أو للنقد التاريخي، إلا أنه يبين لنا في الوقت نفسه الضرورة المطلقة له.

هذا ولا بد أن تتوافر لدى الباحث معارف تاريخية عامة وخاصة كافية، وحس تاريخي وذكاء لماح وإدراك عميق ومعرفة بالسلوك البشري، ومعرفة أيضا بالعلوم المساعدة من مثل فقه اللغة والكيمياء وعلم الأقوام وعلم الخرائط وعلم النقود وعلم النفس، والإلمام بالفنون والأدب، ومعرفة الخطوط واللغات القديمة منها والحديثة، مما يتطلب تدريبا للباحث، رغم إمكانية الاستعانة بالمتخصصين في كثير من هذه الأمور.

لقد مارس العرب المسلمون عند نقدهم للأحاديث المروية عن الرسول الكريم هذا النوع من النقد "الداخلي" بشكل واسع، واستخدموا لهذا الغرض التجريح والتعديل، وبحسب الثقة التي منحوها لشخصية المحدث فإنهم أخذوا روايته أو رفضوها، ويمكن الرجوع إلى ما كتبه الغزالي "ت ٥٠٥هـ/ ١١١١م" في كتابه "المستصفى من علم الأصول"وما دونه ابن الصلاح١ "ت ٦٤١هـ/ ١٢٤٣" في كتابه "مقدمة في علم الحديث" للاطلاع على عدالة الراوي، وقد طرح المؤرخ "سينوبوس" جملة من الأمثلة توضح واقعها أسباب الخطأ، فيما يقدمه مؤلف النص من وقائع، وربما أخذ جزءا كبيرا مما طرحه ابن خلدون في مقدمته عن "أسباب الكذب في الخبر"١.

وقد أورد "فان دالين" مبادئ عامة للنقد نورد فيما يلي أهمها:

١- لا تقرأ في الوثائق القديمة مفاهيم أزمنة متأخرة.

٢- لا تحكم على المؤلف بأنه يجهل أحداثا معينة لأنه غفل عن ذكرها.

٣- لا تقلل من قيمة المصدر ولا تبالغ في قيمته.

٤- لا تكتفي بمصدر واحد حول حقيقة واحدة.


١ ابن الصلاح: "عثمان بن عبد الرحمن" القاهرة ١٣٢٦هـ.
٢ مقدمة ابن خلدون: مرجع سبق ذكره. ص٣٥.

<<  <   >  >>