والخيال الخصب الواسع، ومهما كان الأمر فإن درجة اليقين التي تنتهي إليها الفروض التاريخية، أقل بكثير من درجة اليقين التي يتوصل إليها علماء الطبيعة.
تتضمن عملية التركيب التاريخي عمليات مترابطة متداخلة مع بعضها، تكون صورة فكرية واضحة لكل حقيقة من الحقائق المجمعة لدى الباحث:
١- قيام الباحث بتكوين صور فكرية واضحة لكل حقيقة من الحقائق المتجمعة لديه، وللهيكل العام لمجموع بحثه، أي يكون صورة عن واقع الماضي تنشئها مخيلة الباحث، من منطلق مشابهة الماضي الإنساني للحاضر، إلا أن المعطيات الوثائقية المتنوعة تجعلها أكثر وضوحا، وتقود الباحث نحو أساس واضح، يجمع الحقائق المتوفرة لديه وفقه، أي أنه يضيف الحقائق وفق كل جزئية من جزئيات "الصورة المتخلية".
٢- تصنيف الحقائق بحسب طبيعتها الداخلية وقد ظهر مؤخرا وببطء، ونشأ أولا خارج حدود التاريخ، بخاصة الموضوعات التي تعالج حوادث إنسانية خاصة، تجمع الحقائق الاقتصادية مع بعضها، كذلك الفكرية والاجتماعية والسياسية، وكان المؤرخون السابقون يصنفون الحقائق استنادا إلى الظروف الخارجية: المكان والزمان، تاريخ مرحلة زمنية ما، أو بلد معين، أو سيرة رجل. وقد وضع "لانغلوا" و"سينوبوس" نموذجا أو هيكلا من هذا النوع لتصنيف الحقائق، جمعا فيه طبيعة الظروف الخارجية، وخصائص الحقائق، ومظاهر النشاط والفعالية الإنسانية وقد تضمن هذا النموذج ما يلي:
١- الظروف المادية.
٢- العادات الفكرية.
٣- العادات المادية.
٤- العادات الاقتصادية.
٥- المؤسسات الاجتماعية.
٦- المؤسسات العامة.
ولا بد من التأكيد أن أنواع التصنيف "الزمني، الجغرافي، المنطقي أي بحسب الخصائص ونوعها" لا يستخدم أحدها مستقلا عن الآخر تماما، إنما هي متداخلة فيما بينها، وعندما يضيف المؤرخ حقائقه تبدو أمامه مسألة جديدة بالعناية، وهي أن كل