عمل إنساني ظاهرة فردية محددة بالزمان والمكان، ولكنه يشبه أعمالا أخرى للشخص ذاته، أو أعمال رجال آخرين ينتمون للبيئة نفسها، أو البيئة الأخرى، ويمكن أن يطلق على هذه الأفعال المتشابهة لفظ "عادات" أو "نظم" وهما "حقائق جماعية" تمتد في الزمان والمكان.
ولا يكتفي المؤرخ بالمقارنة بين حوادث زمن وآخر في بيئة واحدة، وإنما عليه أن يدرس أوجه الشبه والاختلاف بين الظاهرات المختلفة، في بيئات متنوعة، وأزمنة واحدة أو مختلفة، يقف المؤرخ من خلال ذلك على تشابه في بعض الظاهرات، على مستوى المجتمعات كلها، مما يدفع المؤرخ إلى وضع "تعميمات" تجعل الصياغة التاريخية أقرب إلى الصياغة العلمية المحددة "بالقانون".
٣- يملك المؤرخ المحاكمة أو ما يسمى ملء الفجوات والثغرات التي يجدها الباحث في هيكل التصنيف لأنه لا يستطيع ملء هذه الثغرات بالملاحظة المباشرة أسوة بالباحثين في العلوم الطبيعية، وهناك طريقتان في هذا الشأن.
أ- الطريقة السلبية، وهي الاعتقاد بأن الحادث الناقص لم يقع، ولكي تصبح المحاكمة سليمة من الضروري تأكيد ما يلي: ألا يكون هناك وثائق أبدا تشير إلى الحادث الناقص، وأن تكون الواقعة التاريخية الناقصة من نوع لا يمكن إلا ملاحظتها وتدوينها لأهميتها في عصرها، هذا ولا يمكن استخدام الاجتهاد "السلبي" إلا في حالتين:
١- إذا كان هم مؤلف الوثيقة التي لم تذكر فيها الحقيقة، أن يذكر بدقة وانتظام جميع الوقائع، التي هي من نوعها، والتي كان على صلة وثيقة معها، كعدم إشارة الشهر ستاني١ في كتابه "الملل والنحل" إلى فرقة دينية ما ظهرت في فترة سابقة لوجوده، قد تكون حجة على عدم وجودها، لأنه عرف بتقصي جميع الملل والنحل في كتابه.
٢- أن تكون الحقيقة أو نوعيتها قد أثرت تأثيرا كبيرا في فكر مؤلف الوثيقة حتى
١ محمد بن عبد الكريم أبو الفتح الشهرستاني: من فلاسفة الإسلام "ت ٥٤٨هـ/ ١١٥٣م".