ولا يعني هذا كله أن الباحث لا يستطيع أن يبدأ بحثه دون أن تكون لديه خطة للبحث، وقد قال كلود برنار "ت ١٢٩٥هـ/ ١٨٧٨م" في كتابه "مدخل لدراسة الطب التجريبي": إن التجربة يسبقها تدبير لظروفها ولإيجادها، لأن تصميم التجربة ليس إلا توجيه سؤال، يراد الإجابة عليه، ولا يكون السؤال إلا بعد وجود فكرة تتطلب الجواب. هذا وسبق العرب إلى ما فطن إليه الغربيون بعد مئات السنين، ونذكر في هذا الشأن إبراهيم النظام "ت ٢٢١هـ/ ٨٣٥م"، والجاحظ "ت ٢٥٥هـ/ ٨٦٨م" والحسن بن الهيثم "ت قرابة ٤٣١هـ/ ١٠٣٩م".
٢- الملاحظة الحسية كمصدر وحيد للحقائق: يراد بالملاحظة توجيه الذهن والحواس إلى ظاهرة حسية ابتغاء الكشف عن خصائصها، توصلا إلى كسب المعرفة الجديدة، أما التجربة فهي ملاحظة مستثارة، يتدخل الباحث في سيرها حتى يلاحظها في ظروف هيأها وأعدها بإرادته تحقيقا لأغراضه، وقد لا تتيسر التجربة في بعض العلوم الطبيعية كالفلك وعلم طبقات الأرض، كما أن الحواس قد تقصر على إدراك بعض الظاهرات إدراكا مباشرا، فعوضوا ذلك باختراع آلات وأجهزة، ساعدت على أن تحول نتائج البحث إلى كميات عددية دقيقة، اعتقادا منهم بأن من أهم خصائص البحث العلمي تحويل الكيفيات إلى كميات عددية والتعبير عن نتائج الدراسات العلمية "القوانين برموز رياضية.
لقد اتجه العرب في عصورهم الوسطى إلى المنهج التجريبي، الذي يستند إلى الملاحظة الحسية في دراسة الظاهرات الجزئية، ابتغاء الكشف عن قوانينها، وشاعت الدعوة إلى الملاحظة في كتبهم طريقا إلى كسب الحقائق، ونذكر منهم البغدادي والرازي وجابر بن حيان والبيروني.
٣- نزوح التفكير العلمي الحديث إلى التكميم "Quantipication" "القياس الكمي": فقد نقل التقدم العلمي الحديث مركز الاهتمام من الملاحظة الحسية إلى تحويل