الكيفيات إلى كميات، والتعبير عن وقائع الحس بأرقام عددية، وأصبحت الظاهرات المشاهدة تترجم إلى رسوم بيانية وجداول إحصائية، وتمشيا مع هذه النزعة اخترعت آلات وأجهزة، وأمكن تحويل الكيفيات إلى كميات عددية تتميز بالدقة والضبط. ولما كانت العلوم الإنسانية الحديثة، قد نزعت بدورها إلى اصطناع المنهج التجريبي ما أمكن ذلك، فقد اتجهت بدورها إلى تكميم دراستها، وتحولت قوانين العلم إلى دلالات رياضية، وبهذا احتلت مكان الصدارة في البحث العلمي الذي لا يزال يعتمد على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية، ومن العرب نذكر في هذا الشأن، ابن الهيثم والإدريسي والزهراوي، إضافة إلى ذلك أن علماء العرب نزعوا إلى اختراع آلات تستخدم في تحويل الكيفيات إلى كميات عددية توفيرا للدقة في نتائج البحوث العلمية.
٤- نزاهة الباحث: "Disinterestedness" يراد بها إقصاء الذات "Self-elemination"، أي تجرد الباحث عن الأهواء والميول والرغبات، وإبعاد المصالح الذاتية والاختبارات الشخصية، وبالتالي فهي تقضي إنكار الذات وتنمية كل ما يعوق تقصي الحقائق من طلب شهرة أو مجد أو استغلال للثراء، مع اعتصام بالصبر والأناة، وحرص على توخي الدقة، حتى يتسنى للباحث أن يفحص موضوعه في أمانة ومن غير تحيز، ويستلزم ذلك طاقة أخلاقية وروحا نقدية. وتحررا من أية سلطة يمكن أن تملي عليه رأيا، بهذا يتوخى الحق ويخلص في طلبه، ويستبعد التعصب، ويتفانى في تحري الحقائق وتمحيصها وفاء بحق الأمانة العلمية.
٥- الموضوعية: أوجب الباحثون المحدثون من الغربيين أن يتوخى العالم الموضوعية "Objectivity" في كل بحث يتصدى له بمعنى أن يحرص على معرفة الوقائع كما هي في الواقع، وليس كما تبدو في تمنياته، ويقتضي هذا إقصاء الخبرة الذاتية "Subjectivity" لأن العلم قوامه وصف الأشياء، وتقرير حالتها، ومحك الصواب في البحث العلمي هو التجربة التي تحسم أي خلاف يمكن أن ينشأ بين الباحثين، ومن هنا