للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعلم، ومن المحدثين الذين أسهموا في هذه الدراسات كرومبي "G. Grombie A" أما أرنست مودي Ernest Moody"١" فإنه يظهر متحفظا حول فكرة الإسهام المباشر لمفكري العصور الوسطى في الثورة العلمية وتطور العلم الحديث.

وهكذا ذهب مؤرخو العلم مذاهب شتى في تفسير ظاهرة الثورة العلمية، وجملة الظروف التي أحاطت بها وأظهرتها، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل من الممكن أن يكون الاختلاف حول الأفكار التي طرحها المفكرون لتلك الظاهرة اختلافا ظاهريا فقط، أم أن التباين بين آرائهم تباين حقيقي وعميق إلى حد كبير؟ وهل من وسيلة يمكن من خلالها استقطاب الأفكار المختلفة وصهرها في بوتقة توالف فيما بينها؟

نذكر في هذا الشأن نظرية توماس كون "Thomas Kuhn" حول أسس الثورات العلمية ومفهومها، وقد أثارت منذ أوائل الستينات وما تزال ضجة كبرى في أوساط الفكر العلمي وفلسفته، فهو يرى أن النقلة من العلم العادي "Normal Science" وهو العلم الذي كان شائعا بين العلماء في عصر من العصور، إلى منحنى جديد وتصورات جديدة واعتماد أسس مختلفة للعلم يحدث ما يطلق عليه "كون" اصطلاح "الثورة العلمية" وأن هذه الثورة ما تزال في مراحلها الأولى فهي عملية ليست سهلة، إنها ديناميكية وتتسم بعلاقات متشابكة.

ونشير إلى أن أكثر الاكتشافات التي شهدها عصر الثورة العلمية لم تقم على ملاحظات جديدة أو استخلاص معلومات كان السابقون يجهلونها، بل كانت تعتمد على اتجاه خاص في النظر إلى الأمور، أي اتجاه محدد للتفكير، وزوايا جديدة يرصد بها الظاهرات القديمة، أي أن الثورة العلمية هذه نشأت واتصلت حلقات مسيرتها بفضل نظرة خاصة واتجاه محدد في التفكير تجاه الأشياء، دأب الفلاسفة والعلماء على التمسك به والإخلاص له، وليس من المستبعد قيام نظريات علمية جديدة في المستقبل القريب أو البعيد لتحل محل نظريات عصرنا، فيكون هناك فكر جديد يقوم على أكتاف فكر مضى، وهو نفسه فكر هذا العصر الذي نعيش فيه.


١ Moody Ernest A. "Galileo and his Precursors". in G. I. Galinoed California Press, ١٩٦٦.

<<  <   >  >>