للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وانظر في آخر كلام مالك كيف اقتضى أنه يقف ويدعو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما يقف ويدعو عند الكعبة في طواف الوداع، فأي دليل أبين من هذا في أن إتيان قبر النبي صلى الله عليه وسلم والوقوف والدعاء عنده من الأمور المعلومة التي نزل قبل مالك وبعده، لو عرف مالك رحمه الله أن أحداً يتوهم عليه ذلك من هذا اللفظ لما نطق به، ولا لوم على مالك،فإن لفظه لا إيهام فيه وإنما يلتبس على جاهل أو متجاهل.

والمختار عندنا أنه لا يكره إطلاق هذا اللفظ أيضاً، لقوله: من زار قبري وقد تقدم الاعتذار عن مالك فيه، ولا يرد عليه قوله، زوروا القبور، لأن زيارة قبور غير الأنبياء لينفعهم ويصلهم بها وبالدعاء والاستغفار، ولهذا قال: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المالكي المعروف بالشارمساحي في كتاب تلخيص محصول المدونة من الأحكام الملقب بنظم الدر في كتاب الجامع في الباب الحادي عشر في السفر: إن قصد الانتفاع بالميت بدعة إلا في زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وقبور المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.

وهذا الذي ذكره في الانتفاع بقبور المرسلين صحيح،وكذلك سائر الأنبياء وأما ما ذكره في غير الأنبياء فستكلم عليه إن شاء الله تعالى في زيارة قبور غير الأنبياء.

وأما زيارة أهل الجنة لله تعالى، فإن صح الحديث فيها فلا يرد على شيء من المعاني التي قالها عبد الحق، وابن رشد، لأنها ليست واجبة، فإن الآخرة ليست دار تكليف، وقد انقطع الالحاق بزيارة الموتى في توهم الكراهة.

فقد بان لك بهذا وجه كلام مالك رحمه الله وإنه على جواب القاضي عياض، إنما كره زيارة القبر لا زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جواب غيره، إنما كره اللفظ فيها دون المعنى، وكذلك أكثر ما حكيناه من كلام أصحابه أتوا فيه بمعنى الزيارة دون لفظها، فمن نقل عن مالك أن الحضور عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزيارة المصطفى والسلام عليه والدعاء عنده ليس بقربة، فقد كذب عليه ومن فهم عنه ذلك فقد أخطأ في فهمه وضل، وحاشى مالكاً وسائر علماء الإسلام، بل وعوامهم ممن وقر الإيمان في قلبه.

انتهى ما ذكره المعترض من النقل والتصرف فيه، ولا يخفى ما في كلامه وتصرفه في كلام غيره من الخطأ والتلبيس، والقصور في الفهم، والتقصير في النظر كفهمه من كلام العلماء ما لم يريدوه، ومخالفته لهم فيما قصدوه، وإلزامه لهم لم يعتقدوه،وحكمه عليهم بالظن الكاذب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إياكم والظن فإن الظن أكذب

<<  <   >  >>