الحديث)) (١) ، بل دأب هذا المعترض التمسك بالأمور المتشابهة الخفية والإعراض عن الأشياء المحكمة الواضحة، كما عادته الاعتماد على حديث ضعيف أو مكذوب، وأو خبر متشابه لا يدل على المطلوب، وليس هذا طريق العلماء القاصدين لإيضاع الدين وإرشاد المسلمين: نعوذ بالله من أتباع الهوى.
ولا ريب أن زيارة القبور منقسمة، فمنها شرعي ومنها بدعي، ولم ينقل أحد من العلماء لا شيخ الإسلام ولا غيره عن مالك أنه كره معنى الزيارة الشرعية لا لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره من القبور، وإنما الذي نقل عنه أشياء منها كراهية قول القائل: زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كره ذلك لشدة تمسكه بالأحاديث والآثار، فإنه لم يكن عنده في إطلاق حديث صحيح، ولا أثر ثابت، ولا له فيه سلف، ولا غير ذلك من المعاني التي سبق ذكرها.
وأما قول المعترض:((والمختار عندنا أنه لا يكره إطلاق هذا اللفظ لقوله من زار قبري، وقد تقدم الاعتذار عن مالك فيه)) فجواب قوله عندنا معروف، وأما دليله الذي ذكره وهو غاية عمدته فقد بين ضعفه ووهاءه، وعدم صحته فيما تقدم بالأدلة الواضحة والحجيج البينة.
وأما اعتذاره عن مالك فتركه أولى من ذكره، ومن الأمور المنقولة عن مالك ما تقدم ذكره غير مرة، وهو ما ذكره القاضي عياض في الشفاء قال:
وقال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويمضي،فلأي معنى أعرض المعترض عن هذا النقل الصحيح الواضع عن إمام دار الهجرة، وتعلق بلفظ متشابه مذكور في الموازنة قائلاً بعد حكايته، وانظر في آخر كلام مالك كيف يقتضي أنه يقف ويدعو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما يقف ويدعو عند الكعبة في طواف الوداع، فأي دليل أبين من هذا في أن إتيان قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والوقوف والدعاء عنده من الأمور المعلومة التي لم تزل قبل مالك وبعده.
فالنظر أيها المنصف في قول هذا المعترض ودعواه ما لم يكن وإلزامه قول مالك ما لم يلزمه وإضافته إليه ما لم يقله بل كرهه ونهى عنه، وليس ذلك ببدع من صنعه، فإني سمعته يقول بحضرة بعض ولاة الأمر في شيء ثبت وصح عن مالك: هذا كذب على مالك،وسنذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى ونبين خطأه في قوله:((إنه كذب)) هذا مع