للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكونهم كانوا متمسكين من دين إبراهيم بأعظم مما تمسك به غيرهم وهم في الإسلام إن كانوا أفضل من غيرهم كان جزاؤهم بحسب فضلهم، وإن كانوا أسوأ عملاً من غيرهم كان جزاؤهم بحسب سيآتهم.

فالمساجد والمشاعر إنما نفع فضيلتها، لمن عمل فيها بطاعة الله وإلا فمجرد البقاع لا يحصل بها ثواب ولا عقاب، وإنما الثواب والعقاب على الأعمال المأمور بها والمنهي عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، وكان أبو الدرداء بدمشق وسلمان بالعراق، فكتب أبو الدرداء إلى سلمان هلموا إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان أن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الرجل عمله والمقام بالثغور للجهاد أفضل من سكنى الحرمين باتفاق العلماء.

ولهذا كان سكنى الصحابة بالمدينة أفضل للهجرة والجهاد، والله هو الذي خلق الخلق وهو الذي يهديهم ويرزقهم وينصرهم، وكل من سواه لا يملك شيئاً من ذلك كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ () وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (سبأ ٠٢٢-٠٢٣) وقد فسروها بأن يؤذن للشافع والمشفوع له جميعاً، فإن سيد الشفعاء يوم القيامة محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا أراد الشفاعة قال: فإذا رأيت ربي خررت له ساجداً فأحمده بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآذن فيقال لي: ((ارفع رأسك وقل يسمع، وسل تعطه واشفع تشفع)) ، قال فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة (١) ، وكذلك ذكره في المرة الثانية والثالثة ولهذا قال: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ} (الزخرف ٠٨٦) فأخبر أنه لا يملكها أحد دون الله، وقوله: ((إلا من شهد بالحق)) وهم يعلمون استثناء منقطع، أي من شهد بالحق وهم يعلمون هم أصحاب الشفاعة منهم الشافع ومنهم المشفوع له.

وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول لله؟ فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث)) ((أسعد الناس بشافعي من قال لا إله إلا اله خالصاً من قبل نفسه)) رواه البخاري (٢) ، فجعل أسعد الناس بشفاعته أكملهم إخلاصاً، وقال في الحديث: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن من صلى علي مرة


(١) تقدم حديث أنس في الشفاعة وأن أحاديث الشفاعة متواترة.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب العلم في صحيحه.

<<  <   >  >>