للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نذر السفر إلى المدينة النبوية إن كان مقصوده الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفى بنذره، وإن كان مقصوده مجرد زيارة القبر من غير صلاة في المسجد لم يف بنذره، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد)) (١) .

والمسألة ذكرها إسماعيل بن إسحاق في المبسوط، ومعناها في المدونة والجلاب وغيرهما من كتب أصحاب مالك يقول: إن من نذر إتيان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لزمه الوفاء بنذره؛ لأن المسجد لا يؤتي إلا للصلاة، ومن نذر إتيان المدينة النبوية فإن كان قصده الصلاة في المسجد وفى بنذره، وإن قصد شيئاً آخر مثل زيارة من بالبقيع أو شهداء أحد لم يف بنذره؛ لأن السفر إنما يشر إلى المساجد الثلاثة.

وهذا الذي قاله مالك وغيره ما علمت أحد من أئمة المسلمين قال بخلافه، بل كلامهم يدل على موافقته.

وقد ذكر أصحاب الشافعي وأحمد في السفر لزيارة القبور قولين: التحريم والإباحة. وقدماؤهم وأئمتهم قالوا: إنه محرم وكذلك أصحاب مالك وغيرهم، وإنما وقع النزاع بين المتأخرين لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) (٢) صيغة خبر، ومعناه النهي فيكون حراماً.

وقال بعضهم: ليس بنهي، وإنما معناه أنه لا يشرع وليس بواجب ولا مستحب، بل مباح كالسفر في التجارة وغيرها، فيقال: تلك الأسفار لا يقصد بها العبادة، بل يقصد بها مصلحة دنيوية، والسفر إلى القبور إنما يقصد به العبادة، والعبادة إنما تكون بواجب أو مستحب.

فإذا حصل الاتفاق على أن السفر إلى القبور ليس بواجب ولا مستحب كان من فعله على وجه التعبد مبتدعاً مخالفاً للاجتماع، والتعبد بالبدعة ليس بمباح، لكن من لم يعلم أن ذلك بدعة، فإنه قد يعذر، فإذا تبينت له السنة لم يجز له مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ولا التعبد بما نهى عنه، كما لا يجوز الصلاة عند طلوع الشمس ولا عند غروبها (٣) ، وكما لا يجوز


(١) تقدم صفحة (٣٢) حاشية (٣) .
(٢) تقدم صفحة ١٩ حاشية (١) .
(٣) يشير إلى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) أخرجه البخاري ٢/٦٠-٦١ فتح ومسلم ١/٥٦٦-٥٦٧ متن من حديث ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة. راجع ارواء العليل ٢/٢٣٦ وصحيح الجامع ٧٣٨٦.

<<  <   >  >>