للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينظرون في حق الله عليهم، ومن هاهنا انقطعوا عن الله، وحُجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.

فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله عليه أولًا، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانيًا؟ وأفضل الفكر الفكرُ في ذلك؛ فإنه يسيِّر القلب إلى الله، ويطرحه بين يديه ذليلًا خاضعًا، منكسرًا كَسْرًا فيه جَبْرُهُ، ومفتقرًا فقرًا فيه غناه، وذليلًا ذلًّا فيه عِزُّه، ولو عمل من الأعمال ما عساه أن يعمل، فإذا فاته هذا فالذي فاته من البر أفضل من الذي أتى به

ومن فوائد نظر العبد في حق الله عليه: أنه لا يتركه ذلك يُدِلُّ بعمل أصلًا، كائنًا ما كان، ومَنْ أدلّ بعمله لم يصعد إلى الله، كما ذكر الإمام أحمد عن بعض أهل العلم بالله، أنه قال له رجل: إني لأقوم في صلاتي؛ فأبكي حتى يكاد ينبت البَقْل من دموعي، فقال له: إنك إن تضحك وأنت تعترف لله بخطيئتك، خيرٌ من أن تبكي وأنت تُدِلُّ بعملك؛ فإن صلاة المُدلِّ لا تصعد فوقه، فقال له: أوصني، قال: عليك بالزهد في الدنيا، وأن لا تنازعها أهلَها، وأن تكون كالنّحلة، إن أكلت أكلت طيِّبًا، وإن وضعت وضعت طيبًا، وإن وقعت على عود لم تضرَّه ولم تكسره، وأوصيك بالنصح لله عز وجل نُصْح الكلب لأهله؛ فإنهم يُجِيعونه ويطردونه؛ ويأبى إلا أن يحوطَهم وينصحهم» (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا سيَّار، حدثنا جعفر، حدثنا الجريرى، قال: «بلغني أن رجلًا من بني إسرائيل كانت له إلى الله تعالى حاجة، فتعبد واجتهد، ثم طلب إلى الله حاجته، فلم ير نجاحًا، فبات ليلةً مُزريًا على نفسه، وقال: يا نفس! مالك لا تُقضَى حاجتك؟ فبات محزونًا قد أزرى على نفسه، وألزم الملامةَ نفسه، فقال: أما والله ما من قِبَل ربي أُتِيتُ، ولكن من قِبَل نفسي أُتيتُ، فبات ليلةً مزريًا على نفسه، وألزم الملامة نفسه، فقُضِيت حاجته» " (٢). انتهى ما اختصرته من كتاب إغاثة اللهفان (٣).


(١) الزهد لأحمد بن حنبل (ص ٨١).
(٢) قال محقق إغاثة اللهفان: لم أقف عليه.
(٣) إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان (١/ ١٤٣ - ١٥٤ ط عطاءات العلم)

<<  <   >  >>