للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثامن: مجالسة أهل الأهواء الذين يضربون القرآن بعضه ببعض، ويتبعون متشابه ويتركون محكمه.]

إن مجالسة أهل الاهواء تفسد القلب وتمرضه، فلا يجد لذة في تلاوة القرآن وتدبره، وتذهب منه حلاوة العبادة، وتجعله يفهم القرآن على منهج أهل البدع الذين يجالسهم، ولذا ينبغي الحذر من مجالستهم لمن أراد السلامة لقلبه، ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ٧]، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ، فَاحْذَرُوهُمْ» (١).

وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ» (٢).

كان من منهج السلف رحمهم الله الحذر من مجالسة أهل البدع والأهواء والتحذير من ذلك أشد التحذير؛ لأن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة، من تعرض لها تعلقت بقلبه وأفسدته. وقبل ذكر أمثلة من حياة السلف تبين شدة تحرزهم من أهل والأهواء، أود أن أقدم بهذا التنبيه المهم.

تنبيه مهم: وهذه المجالسة في زمننا لا يلزم منها حضور مجالسهم أو قراءة كتبهم؛ لأن مفهوم المجالسة تغير في زمننا بسبب ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي، ومتابعة نتاجهم الفكري الموجود على شبكة الإنترنت، أو المتابعة التي تتم من خلال البث الفضائي.


(١) أخرجه البخاري واللفظ له (٦/ ٣٤) ح (٤٥٤٧)، ومسلم (٤/ ٢٠٥٣) ح (٢٦٦٥).
(٢) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢٨٩) ح (١٤٣)، وابن حبان في صحيحه (١/ ٢٨١)، ح (٨٠)، وقال في مجمع الزوائد (١/ ١٨٧) ح (٨٨٦): "رواه البزار وأحمد وأبو يعلى، ورجاله موثقون"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١/ ١٠٧) ح (٢٣٩)، وقال محقق مسند أحمد (١/ ٢٨٩): "سنده قوي".

<<  <   >  >>