العظيم والقدرة على المجادلة خاف على قلبه من أن تنفذ إليه شبهة فلا يعود كما كان، وتذهب رقته وخشوعه وتلذذه بالعبادة بسبب سماع كلام أهل الباطل، فإنه يمرض القلوب ولو كانت صحيحة، ويفسدها ولو كانت سليمة فالحذر الحذر فإن سماع أو رؤية أهل الباطل تعد عقوبة عند أهل القلوب الحية، فقد دعت أم جريج الراهب على ابنها -لما بصلاة النافلة عنها- بأن يعاقبه الله برؤية وجوه العصاة من المومسات أي الزانيات، وقد عاقبه الله بذلك لأن رؤية الوجوه المظلمة يسري أثرها على القلب بشيء من الغبش في رؤية الحق، فمن سرح طرفه في تلك الوجوه وسمع لكلامها أصابت بقدر القرب ظلمة في قلبه ينعكس أثرها على نفوره من القرآن وأصحابه، وتؤثر كذلك على صفاء القلب، فتصيبه الكدورة التي تضعف فهمه للقرآن ويعجز عن تدبره، ويضيق الصدر بتلاوته، فلا يجد لذة في تدبره وفهمه، ولا ينتفع بمواعظه وزواجره ووعده ووعيده، وقد يصل الحال بقلبه أن يتلذذ بالشهوة الحرام من سماع المعازف ما لا يجده عند تلاوته أو سماعه، نسأل الله العافية والسلامة. …
[المطلب التاسع: ذنوب الخلوات.]
للذنوب أثر عظيم على عمى القلب فلا يرى حقائق القرآن، ولا يبصر نوره قال تعالى:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: ٤٦]، ويأتي بسبب النوب غلاف على القلب يسمى الران الذي ذكرته الآية وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:«إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطفِّفين: ١٤]»، ومن أشد الذنوب خطراً على القلب ذنوب الخلوات، فهي تفسد القلب وتهلك العمل الصالح في يوم القيامة، حتى يكون صاحبها من المفلسين، ودونك هذا الحديث العظيم الذي يبين خطورة الذنوب في حالة الخلوة مع الله وعدم الحياء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عز وجل- هَبَاءً مَنْثُورًا»، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ