للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلوب" (١).

يقول طنطاوي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: " .. وقوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيّا} بيان لرقة مشاعرهم، وشدة تأثرهم عند سماع آيات الله تعالى.

فالجملة الكريمة استئناف مسوق لبيان عظم خشيتهم من الله تعالى أو هي خبر لاسم الإشارة {أُولئِكَ} و {سُجَّدا وَبُكِيّا} جمع ساجد وباك.

أى: أولئك الذين أنعم الله تعالى عليهم، من صفاتهم أنهم إذا تتلى عليهم آيات الرحمن، المتضمنة لتمجيده وتعظيمه وحججه .. خروا على جباههم ساجدين وباكين. وسقطوا خاضعين خاشعين خوفا ورجاء، وتعظيما وتمجيدا لله رب العالمين.

وجمع سبحانه بين السجود والبكاء بالنسبة لهم، للإشعار بأنهم مع تعظيمهم الشديد لمقام ربهم، فهم أصحاب قلوب رقيقة، وعواطف جياشة بالخوف من الله تعالى.

وفي معنى هذه الجملة الكريمة وردت آيات كثيرة، منه قوله تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ١٠٧ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ١٠٨ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعا} [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٩].

وقوله سبحانه: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: ٨٣].

فهذه الآيات الكريمة تدل على أن من صفات المؤمنين الصادقين، أنهم يتأثرون تأثراً عظيماً عند سماعهم لكلام الله تعالى تأثراً يجعلهم يبكون ويسجدون وتقشعر


(١) تفسير القرطبي (١١/ ١٢٠).

<<  <   >  >>