صلى الله عليه وسلم، يحرصون على ذلك أشد الحرص وأبلغه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصح العرب؛ ولأن أحاديثه دين:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ، وساعدهم على ذلك أمور:
أولا: حوافظهم الواعية، وأذهانهم الصافية، وقلوبهم العاقلة، وسجل لهم التاريخ الصحيح من ذلك، العجب العجاب، فقد كانوا يحفظون القصائد والخطب الطويلة، بسماعها مرة أو مرتين أو ثلاثا، ثم تبقى في أذهانهم ما بقوا؛ لأنهم قوم أميون، دواوينهم صدورهم، وكتبهم حوافظهم، نمت فيهم ملكة الحفظ بالممارسة، ومن الخطأ أن يقاسوا على الأمم الأخرى، أو يقاسوا علينا في هذا العصر.
ثانيا: تدوين كثير منهم لأحاديثه صلى الله عليه وسلم كتابة، خشية أن يضيع منها شيء عن أذهانهم، بسبب السهو أو الخطأ أوتقديم السن، وكانت الكتابة في التابعين أكثر منها بين الصحابة، فكان هذا التدوين الشخصي إلى جانب الحفظ في الصدور من أكبر العوامل على صون الحديث، كما سمع منه صلى الله عليه وسلم، ومن كره تدوين الحديث من الصحابة أو التابعين كان خشية الاعتماد على الكتابة وترك الحفظز، أو؛ لأنهم تلقوها حفظا فأحبوا أن تؤخذ عنهم كذلك، أو؛ لأنهم خافوا أن تضعف ملكة الحفظ فيهم بسبب التدوين، إلى غير ذلك مما تقدم لنا تفصيله.
ثالثا: تلك المجالس التي كانوا يعقدونها لتحمل الحديث وروايته، وتلك الرحلات إلى الأمصار المختلقة لذلك، فكانت هذه وتلك مما أعانت على بقاء حفظ السنة في أذهانهم، وضبطها في صدورهم، وتثبيتهم فيما عسى أن يكونوا قد شكوا أو ترددوا فيه، وتلقيهم ما فاتهم من حديثه