والأشتر النخعي في ذلك فقال علي كرم الله وجهه: ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، وكان فيها أحكام الديات، ومقاديرها، وأصنافها وحكم تخليص الأسير من يد العدو، والترغيب في ذلك وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر، وفرائض الصدقة إلى غير ذلك من الأحكام. فلو كانت كتابة الحديث لأجل الحفظ فقط، ثم يجب محوها بعد ذلك لما بقيت صحيفة علي إلى زمن خلافته.
وأما محو بعض الصحابة لما كتبوه، أو أمرهم بذلك فليس؛ لأن الكتابة منهي عنها على وجه البقاء. بل لخشيتهم أن يشتغل بها الناس عن القرآن، ولما يحفظوه بعد. أو؛ لأنهم رأوا أن الأولى التعويل على الحفظ استنهاضا لعزائم الناس، وهممهم على تنمية ملكة الحفظ التي فطر عليها العرب.
أو؛ لأن هذه الصحف كات منقولة عن أهل الكتاب، فخافوا أن يشتغل بها الناس عن دينهم، بدليل ما رواه ابن عبد البر أن الأسود، وعلقمة أصابا صحيفة فانطلقا بها إلى عبد الله بن مسعود، فقالا: هذه صحيف فيها حديث حسن فأمر ابن مسعود بماء فمحاها وتلا: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ، قالا: انظر فيها فإن فيها حديثا عجيبا، فجعل يمحوها ويقول: هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره.
قال أبو عبيدة "أحد رواة هذه القصة": يرى أن هذه الصحيفة أخذت من أهل الكتاب، فلذا كره عبد الله رحمه الله النظر فيها، وأذن فلا طريق للجمع بين أحاديث النهي، وأحاديث الإذن في الكتاب على وجه مقبول، إلا بما ذكرناه، واستظهرناه لا بما ذكره الشيخ، واستظهره.
خامسًا: حاول الشيخ أن يقدم أحاديث النهي، عن الكتابة على أحاديث الإذن بها على تقدير صحتها، وتعذر الجمع بينها فقال: "ولو فرضنا أن بين أحاديث النهي عن الكتابة، والإذن بها تعارضا يصح أن