للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون أحدهما ناسخا للآخر، لكان لنا أن نستدل على كون النهي هو المتأخر بأمرين. أحدهما: استدلال من روى عنهم من الصحابة الامتناع عن الكتابة، ومنعها بالنهي عنها، وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وثانيهما: عدم تدوين الصحابة الحديث ونشره، ولو دونوا، ونشروا لتواتر ما دونوه.

ونقول في الرد عليه:

أولا: أن أحاديث الإذن بالكتابة أصح عند المحدثين من أحاديث النهي بدليل أن البخاري وغيره، أعلوا حديث أبي سعيد الخدري في النهي عن كتابة الحديث. وقالوا: الصواب وقفه علي أبي سعيد مع أن هذا الحديث باعتراف الشيخ، هو أقوى أحاديث المنع على الإطلاق.

ثانيا: أنه على تقدير التعارض بين أحاديث الإذن، والنهي فقد كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الإذن بالكتابة دون النهي عنها، بدليل ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه، قال: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا، لا تضلوا بعده"، وفي بعض رواياته "لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة"، وله من حديث سعيد بن جبير أن ذلك كان يوم الخميس، وهو قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعة أيام١. ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، هم قبيل وفاته أن يكتب لأمته كتابا يحصل معه الأمن من الاختلاف، وهو لا يهم إلا بحق.

ثالثا: أن امتناع بعض الصحابة عن كتابة الحديث، ومنعهم منها لم يكن سببه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث، بدليل


١ انظر جـ١ ص١٤٦ من فتح الباري.

<<  <   >  >>