أن الآثار الواردة عنهم في المنع، أو الامتناع من كتابة الحديث لم ينقل فيها التعليل بذلك، وإنما كانوا يعللون بمخافة أن يشتغل الناس بها عن كتاب الله، أو بمخافة أن يهمل الناس الحفظ اعتمادا على الكتابة، أو لغير ذلك من الأغراض.
رابعا: إن عدم تدوين الصحابة للحديث، كما دونوا القرآن وجمعوه لم يكن لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث، وإنما كان خوف أن تختلط بصحف القرآن، فيلتبس على الناس أمر دينهم، في وقت لم يجمع القرآن فيه إلا نفر قليل من الصحابة. وقد روى البيهقي في المدخل، عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب، أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أردت أن أكتب للسنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم، كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا، فهذا الأثر يدل على جواز كتابة الحديث، بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم، أشاروا عليه بذلك، وأن عمر رضي الله عنه رأى أن يأخذ الحيطة لكتاب الله، ويتوثق لصيانته وذلك يستدعي أن تكون الكتابة قاصرة على القرآن، وأن يكتفي في الأحاديث بالحفظ لئلا يختلط الأمر على الناس، فما كان للصحابة أن يشيروا على عمر بكتابة السنن، إذا كان النهي عنها هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لو كان النهي عن كتابة السنن باقيا، لما جاز لهم أن يسكتوا عن الإنكار على عمر عزمه على كتابة السنن، فضلا عن أن يشيروا عليه بكتابتها.
هذا ولا بأس أن ننقل هنا نصوصا لبعض العلماء في كتابة الحديث، فنقول: