ولم يزل العلماء يخرجون أحاديثه، ويذكرون متابعاته وشواهده، ويشرحون غريبه، ويضبطون مشكله ويبحثون عن فقهه ويفتشون عن رجاله، كما لم يزل الخلفاء يعرفون له قدره. فهذا أبو نعيم يروى في الحلية عن مالك بن أنس أنه قال: شاورني هارون الرشيد أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه فقلت: لا تفعل فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان وكل مصيب. فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله، وقال القاضي الفاضل في بعض رسائله: ما أعلم أن لملك رحلة في طلب العلم، إلا للرشيد فإنه رحل بولديه الأمين، والمأمون لسماع الموطأ على مالك. وكان أصل الموطأ بسماع الرشيد بخزانة المصريين، ثم رحل لسماعه صلاح الدين الأيوبي إلى الإسكندرية، فسمعه على ابن طاهر بن عوف١.
رأى بعض الكاتبين في الموطأ، والرد عليه:
يزعم بعض الكاتبين العصريين أن مالكا رحمه الله، لم يكن محدثا وأن كتاب الموطأ لم يكن كتاب حديث، وآثار وقد ذهب إلى هذا الزعم الأستاذ علي حسن عبد القادر وأيده في كتابه:"نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي".
ونحن ننقل لك بعض فقرات من كلامه في ذلك، ثم نكر عليها بالأبطال.
قال الأستاذ في كتابه المذكور: "وكتاب مالك الأساسي هو الموطأ الذي يعد -إذا ما استثنينا المجموع لزيد- أول كتاب فقهي وصل إلينا في الإسلام على العموم، والذي يصور لنا على وجه التقريب إلى
١ انظر حجة الله البالغة جـ١ ص١٣٣، كشف الظنون ج٢ ص٣٧١- مفتاح السنة ص٢٦، تاريخ الخلفاء ص١٩٥.