أي حد وصلت الخطوات في التدوين الفقهي إلى ذلك الوقت، ولا يمكن أن يعتبر الموطأ أول كتاب كبير في الحديث، فبالرغم مما له من مكانة في الإسلام، وما لمالك أمام دار الهجرة من تقدير، فإن كتابه لم يعتبر في الأصل كتابا في الحديث.
ثم قال: والحقيقة أن كتاب مالك ليس كتاب حديثث بالمعنى الصحيح، كالكتب التي وضعها المحدثون في القرون التالية، ولم يذكر في تاريخ الكتب ضمن كتب الحديث. فهو في الواقع كتاب فقه. ليس من أجل أن الموطأ لم يستوعب جميع أبواب كتب الحديث الجامعة، بل من ناحية الغرض من هذا الكتاب ومن ناحية الوضع. لم يكن الغرض فيه الإتيان بالأحاديث الصحيحة التي كانت موجودة إذ ذاك وجمعها، وإنما كان الغرض عند مالك النظر في الفقه والقانون. ثم أخذ يستدل لذلك بأن مالكا أودعه أقوال الصحابة، وفتاوي التابعين وبعض آراء له. إلى أن قال: ومن هنا نرى أن مالكا لم يكن جامعا للحديث، ولكنه كان زيادة على هذا أولا، وبالذات شارحا للأحاديث من جهة النظر العملية، ويمكن التدليل على هذا بأمثلة كثيرة من الموطأ -وساق بعض الأمثلة، وبعد أن تكلم عن الرأي عند مالك، قال: فمن هذا يتبين لنا بسهولة أن مالكا لم يكن محدثا، وأن الحديث عنده لم يكن المعتمد الوحيد لديه١".
من هذا نرى أن الأستاذ يبعد الموطأ من مجموعة الكتب الحديثية، ويخرج مالكا من زمرة أئمة الحديث، وسنرد عليه في كلا الأمرين.
أولا: الرد على زعمه بأن الموطأ ليس كتاب حديث.
رأينا الأستاذ يعتمد في إخراج الموطأ من كتب الحديث على أمرين.
١ انظر ص٢٤٤-٢٤٩ من كتاب "نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي".