أحدهما أنه لم يكن غرض مالك أن يجمع كتابا في الحديث الصحيح، بل كان غرضه النظر في الفقه والقانون إلخ. ثانيهما وضع الكتاب، وترتيبه على أبواب الفقه.
وللرد عليه نقول:
١- سلمنا أن غرض مالك النظر في الفقه، والقانون كما قلت، فهل يمنع هذا من أن يكون له مع ذلك غرض آخر، وهو جمع طائفة من الأحاديث الصحيحة في كتابه، فيكون كتابا جامعا للحديث النبوي، وللفقه الإسلامي وبذلك يكون مرجعا للعلماء على اختلاف مشاربهم، محدثين وفقهاء؟ بل هذا هو الواقع الذي حدثنا عنه التاريخ. فقد روى الثقات أن علماء الأمصار على اختلاف منازعهم، رحلوا إلى المدينة لسماع الموطأ من مالك، وكان منهم الفقهاء المجتهدون أمثال مالك، كالشافعي الإمام، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف صاحبي أبي حنيفة النعمان. فسماع هؤلاء للموطأ وروايتهم له ونظرهم فيه ورجوعهم عن بعض المسائل إلى ما دل عليه الحديث من الموطأ، كما حصل من الإمام محمد بن الحسن، أكبر دليل على أن الموطأ أدخل في باب الحديث منه في باب الفقه، والرأي.
هذا وقد سبق لك عناية المحدثين بالموطأ، حتى في عصر مالك نفسه أمثال يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرازق بن همام وغيرهم، حتى الملوك والأمراء أمثال الرشيد. وصلاح الدين الأيوبي مما يدلك على أن الموطأ أقرب إلى الحديث منه إلى الفقه.
٢- أن استدلال الأستاذ بوضع الكتاب على هذا النحو من ترتيبه
على الأبواب، وإيداعه كثيرا من أقوال الصحابة، وفتاوى التابعين وبعض