كان يرى ويجتهد فهذا مسلم؛ لأنه إمام جليل بلغ رتبة الاجتهاد المطلق، ولكن ذلك لا يخرجه عن كونهم محدثا من كبار المحدثين، وجهبذا من جهابذة النقاد. اجتمع لدى مالك ثروة حديثية عظيمة، لم تجتمع لأحد من أقرانه، فقد ذكروا أنه روى مائة ألف حديث، وأنه كان نقادة للرجال بحاثة عن الأسانيد أقر له بذلك أقرانه قبل تلاميذه، والناس في كل عصر يعتمدون على حديثه، حتى إن البخاري إذا وجد الحدي عن مالك، فإنه لا يعدل عنه، ثم إن المحدث لا يخرجه من زمرة المحدثين نظره في الرأي، وبلوغه درجة الاجتهاد، وتكلمه على تفسير القرآن وفقه الحديث، فذلك وإن كان يلحقه بصفوف الفقهاء، لكنه لا يخرجه عن حظيرة المحدثين النبهاء، وليس مالك ببدع في ذلك، بل كان غيره من المحدثين من جمع إلى الحديث الرأي والاجتهاد، وكان له مذهب خاص كالثوري، وابن عيينة، والأوزاعي وإن بادت مذاهبهم. وهذا هو البخاري بلغ درجة الاجتهاد، وكان له آراء خالف فيها كثيرا من الفقهاء، كما ستقف عليه فيما بعد.
يقول الأستاذ تحت عنوان:"مكان الموطأ في تدوين الحديث١".
على أن مالكا، وإن لم يكن محدثا حقيقيا، فقد أعطى للمحدثين فائدة كبيرة، وأمد البحث النقدي التاريخي بأداة ثمينة، وإن لم يكن ذلك غرض مالك ذلك أنه كان ينظر بالنسبة لأغراضه العملية، إلى ما هو معترف به في المدينة من الروايات، ولم يكن قد امتد إليه هذا الشك والارتياب في الحديث، الذي أقض مضاجع المحدثين المتأخرين. فإن مسألة الإسناد لم تكن بعد أمرا ضروريا بدليل أنا نجد ثلث الموطأ مرسلا، أو مقطوعا بلا خطام، ولا أزمة كما يقول المحدثون، وقد استعمل مالك بكل هدوء المراسيل